صلاح الساير
أكتب عنه واعرف انني وحدي الذي اكتب. فهو المحجوب عن الكثيرين الذين لم يتمكنوا من الاغتسال بماء نهره الدافق. وهو العفيف الزاهد بالشهرة، النائي عن المظهرانية، الضنين بإبداعه، الصارم مع موهبته، الساتر أضواء تطلع من جبينه الوضاء.
كان حريصا على إخفاء قصيدته عن العيون، وعزفه المدهش على أوتار العود مقصور على الخاصة. والبلبل المعشعش في حنجرته لا يشرع بالغناء إلا بعد أن يأنس للحضور من حوله. أما كلماته السحرية المنحوتة من المستحيل فلا يسمعها إلا الندرة النادرة وكنت منها.
أكتب عن الأديب، الانسان، الذي أدبني ودربني كيف يمتطي المتكلم صهوة الحديث. أكتب عن أمين المكتبة، الوراق، أخي طلال الساير. المعلم الذي دعاني إلى مأدبة استنشاق رائحة القراطيس وعلمني صداقة القلم مذ كنت غرا.
أكتب عن الفارس، الخيّال، الأبال، الصقار، الجميل، زارع الدهشة في العيون والأفئدة. أكتب عن الراوي المفوه، الفصيح، المتفلت من حاجز الزمن، الرجل المدهش الذي عاش معنا في عصرنا هذا بأخلاق وقيم وسمت العصور القديمة.
أكتب عن الراحل «أبونواف» وارثيه بدمع لا يعرف الجفاف، وادرك حكمة الموت، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).