كنت فيما مضى من السنوات أكتب في المجال السياسي وأحاول أن أشخص أو أحلل المشاهد السياسية التي تنجم عن التطورات والأحداث المحلية والعربية والدولية، وكان منهجي في مقاربة المشهد ربطه (جغرافيا أو تاريخيا) بأحداث أخرى جرت في أمكنة أو أزمنة أخرى وتكون لها علاقة بالمشهد المرصود. وكنت أعتقد أن قراءاتي في السياسة والتاريخ والاجتماع والاقتصاد والأديان تؤهلني للتصدي لمثل هذه الكتابات.
***
بيد انه مع تطور الأحداث العبثية في المنطقة العربية والخواتيم المأساوية التي آلت إليها أحوال الناس في الدول العربية أدركت قلة حيلتي وعجزي عن تحليل التطورات المجنونة التي أوقعتني في حيرة من أمري، وعلمتني أن معارفي المتحصلة من القراءة غير صالحة للاستهلاك العربي، وأن حسابات الحقل لا تنطبق على البيدر، وأن النظريات التي خبرناها في علم الاجتماع السياسي لا علاقة لها بالمجتمع العربي.
***
لتحليل المشاهد السياسية العربية وتشخيصها ينبغي أن تكف وسائط الإعلام عن الاستعانة بالمحللين السياسيين وأساتذة العلوم السياسية واستبدالهم بأطباء نفسانيين وخبراء في الأعصاب والتخدير والأمراض النفسية وباحثين في علم الجريمة. فمثلما يبدو أن هؤلاء وحدهم القادرون على تشخيص التطورات في المجتمعات العربية المتحاربة، وهم وحدهم الذين يملكون الشروح والتفاسير للأحداث المجنونة والعمياء.
www.salahsayer.com
salah_sayer@