صلاح الساير
يعالج الطبيب مريضا يلمسه ويفحصه، وينجز الموظف معاملة لمراجع يمثل امامه، والمحامي يترافع عن موكل يعرف قضيته، وسائق التاكسي يشاهد بالمرآة الراكب معه في المقعد الخلفي.
اما الكاتب فيكتب لقارئ لا يعرفه شخصيا كما لا يدرك حاله وقت القراءة. هل سعيد ام حزين ام محبط؟ هل يقرأ قبل النوم او بعد الاستيقاظ؟ وحيد ام حوله آخرون؟
كاتب الرسالـــــة الشخصية يكتب للمرسل اليه (قارئ واحد) يعرفه خير المعرفة، زوجه او أخ او صديق. اما الكاتب فيكتب للمرسل اليهم (قراء كثر) يختلفون بدرجات الوعي والسرائر والرفض والقبول.
القارئ شخصية حقيقية وافتراضية في آن واحد، غائب حاضر، معلوم مجهول، حتى في حال عدم توافر هذا القارئ فالكاتب ملزم بإتقان كتابته، كمثل قبطان الطائرة يتقيد بشروط الطيران وان لم يكن في الطائرة أحد سوى طاقمها.
الكتابة مهنة تتجاوز حدود المكان، فالكاتب يكتب لقراء في داخل البلاد وخارجها، كما انها مهنة تتجاوز حدود الزمان، فمثلما نحن نقرأ كتابات من ازمنة قديمة سوف يأتي قراء في زمن مقبل يقرأون ما نكتبه اليوم.