في زمن الصراع بين الاتحاد السوفييتي وأميركا، وهيمنة القطبية الثنائية على سطح الكرة الأرضية، عاش البشر وفق ناموس أكثر وضوحا.
كتلة عظمى شرقية معادية لكتلة عظمى غربية، وكتلة عدم انحياز، وحرب باردة، وبعض الحروب الاقليمية الساخنة، مع بعض التفاصيل والاختلافات هنا أو هناك.
بيد أن انهيار الاتحاد السوفييتي ودخول البشرية في مرحلة القطب الواحد (أو هكذا قيل) تبدد الناموس القديم، وأمسى ما يجري على الكرة الأرضية لا علاقة له بما كان يجري عليها في الماضي.
وكأن البشر يا ستار غير البشر.
****
كتب المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما عن نهاية (التاريخ) فانتهت (الجغرافيا) بعد أن أصبحت جغرافية الدول مفتوحة أمام جميع الدول الأخرى، برا وبحرا وجوا.
وأضحت دول جديدة مثل داعش تولد في داخل جغرافيا دول قديمة مثل سورية والعراق، وأمسى الولاء عابرا للأوطان والجغرافيا، فرئيس حزب الله اللبناني يعترف بأن ولاءه لإيران لا لوطنه لبنان، وجميعنا شاهدنا الدواعش يمزقون جوازات السفر الصادرة من أوطانهم ويعلنون ولاءهم لشخص غامض يتأرجح بين الحقيقة والخيال!
****
في هذا العصر المعولم الجديد، انتحر التاريخ واغتيلت الجغرافيا.
فبعد أن كان لحدود الدول ومنافذها هيبة واعتبار، تحولت إلى مجرد نقاط وخطوط وهمية على الخرائط.
وبعد أن كانت الهجرة إلى اوروبا حلم الشبان الأقوياء والمغامرين الشجعان، وخطوة عصيبة، دونها خرط القتاد، وتستدعي طرق ابواب السفارات واستجداء تأشيرات الدخول، أصبحت خطوة سهلة يقوم بها الأطفال والنساء حتى أضحت طوابير اللاجئين في عقر اوروبا طويلة ولا نهايات لها، بعد أن أمست قوارب الموت أسرع من فيزا (الشنغن).. يا رب سترك.
www.salahsayer.com
salah_sayer@