كان رواة المُلحات والنكت والقصص الفكهة قديما يتميزون بموهبة الإلقاء والحفظ وتقليد الأصوات وفن حبك الكلام وحسن توقيت الصمت وإجادة ذكر العبارات الاعتراضية قبل مواصلة سرد القصة التي قد تسمعها من غيرهم فلا تعجبك أو تلفت انتباهك، لكن القصة أو الملحة ذاتها قد تؤثر بك وتحفظها حين تجري على ألسنتهم العذبة.
هذا ما عرفناه في الماضي قبل الانترنت الذي حول الجميع إلى رواة وكلمنجية يسردون النكات كتابة ويتبعونها بصورة ابتسامة من قاموس الايموجي.
****
أتاح الانترنت لسائر البشر حرية التعبير، فأصبح كل شخص، بصرف النظر عن فداحة جهله، يعتقد ان لديه رأيا يمكن أن يعبر عنه، وإن كان هذا (الرأي) في حقيقة الأمر تافها، حتى تم تحريف عبارة (حرية الرأي) إلى (حرية الرغي) بعد أن أصبح الغر الذي لم يبلغ الحلم بعد يسرق وينشر مقولات فلسفية يجهلها، وفي بعض الأحايين ينسبها لآخرين، فصرنا نقرأ عبارة قالها الشاعر بودلير منسوبة لجبران خليل جبران، ونقرأ حكمة صينية منسوبة لجمال عبدالناصر!
****
للمنابر والمسارح والمنصات والمحافل أبواب لها مفاتيح محفوظة لدى الحرس الأمناء عليها، بعكس عالم الانترنت الذي يعطي الفرص المتساوية للجميع بمن فيهم السيد «هب ودب» فالداعر المتهتك يحدث الناس عن الفضائل، والسارق يتحدث عن الأمانة، وصاحب الدم الثقيل يروي النكات والأفاكيه.
الأمر الذي يذكرنا بعبارة منسوبة لصانع المسدس (الآن يتساوى الجبان مع الشجاع) ففي الإنترنت الاستذة والحكمنة والفهمنة والكلمنة حقوق مكفولة للجميع.
www.salahsayer.com
salah_sayer@