نصف الشخص سيئ الأخلاق فنقول انه «ابن شارع» بمعنى انه لم يتلق التربية المناسبة في حضن أسرته، وذلك وصف تنقصه الدقة، وتشخيص ساذج يفترض الصلاح في جميع البيوت، وذلك افتراض مستحيل.
فالعديد من السفلة الوضعاء الخبثاء ترعرعوا في كنف أحضان أسر تعيش في أوحال الرذيلة، ولم تخبر الأخلاق الحميدة، ولم تحسن تربية الأبناء الذين كبروا وكبرت في سريرتهم العقد والأمراض النفسية وسوء الخلق، وربما تكون الشوارع المظلومة أكثر رحمة من رب أسرة فاسق لئيم أو ربة بيت سفيهة خليعة.
****
غير أن تلك الشوارع المظلومة والمتهمة بسوء الأخلاق اختفت في عصرنا الراهن أو ضمر دورها في تشكيل شخصية البشر، بعد انحسار الدور التقليدي للحي السكني، أو الجيرة، أو «الفريج» وما كان يفرضه ذلك «المحك» من مشاركة وتلاقح ثقافي بين الناس، وبسبب هذا الغياب انحسرت المناشط الملموسة التي يتجلى فيها «الآخر» كما تزامن اختفاء الشارع مع ظهور شوارع جديدة ربما أخــطر وأشرس وأوقح من الشوارع القديمة، أقصد مواقع الإنترنت التي صارت تلعب الدور المؤثر في توجهات وأفكار وميول الناس.
****
الشارع التقليدي القديم حتى في التفسير السيئ، أو السلبي ووصف أخلاقه بالشوارعية (!) أسهل وأرحم وأوضح للمراقبة والفحص.
فالناس تجتمع فيه بأوقات معروفة، وبعض من فيه يمكن معرفتهم أو معرفة أهلهم، بعكس شوارع الشبكة العنكبوتية التي يتواجد فيها الناس، كبارا وصغارا، 24 ساعة في اليوم، وبعضهم ملثمون، مبرقعون، يتخفون وراء أسماء مستعارة بعد أن أمست الشوارع والطرقات طي هواتفنا الذكية، ومع التقدم العلمي والتراجع الأخلاقي سوف تختفي كلمة «ابن شارع» كوصف لعديم الأخلاق من القاموس وقد يحل محلها «اسكت يا تويتري يا ابن الفيسبوك»!
www.salahsayer.com
salah_sayer@