عند الصفحة رقم 391 وهي آخر صفحة في الكتاب ذرفت عيني دمعا كان حبيسا فيها منذ الصفحة الأولى. كنت أقرأ وأتذكر وأقارن وكلما توقفت بين الصفحات كنت أزفر زفرة "حرى" من شدة الكمد قبل أن أواصل التجوال في كتاب «مال ورمال» للقائد الإداري والاقتصادي المعروف فيصل حمد العيار، صاحب التجربة الثرية في عالم الاستثمار والأسواق العالمية والذي يعرض في هذا الكتاب الجوانب الكارثية التي صاحبت مولد أو تعثر العديد من المشاريع والفرص الاستثمارية في الكويت، وكيف تحولت الأحلام إلى كوابيس.
***
«مال ورمال» جولة مثمرة قام بها المؤلف ليقدم للقارئ بحثا نافعا يشير صراحة إلى الأخطاء التي تفرزها «ديموقراطيتنا المراهقة»، كما يشير إلى «البيروقراطية العقيمة» وغياب القرار لدى عدد من الحكومات المتعاقبة التي «تخلت عن صلاحياتها» وخلص الكتاب إلى أن «السياسة تفسد الاقتصاد»، أما الكوميديا السوداء فتتجلى في حكاية «المصفاة الرابعة» التي تناهشتها الأطراف المختلفة لتمسي مثالا للتعبير عن فداحة ثمن تأخير المشاريع وتعطيلها لأسباب سياسية حينا ولسوء الإدارة أحيانا أخرى.
***
سألته العام الماضي، وكنت أعلم بقصة هذا الإصدار «يا أبا مبارك لماذا تكتب هذا الكتاب؟» فقال: إن التاريخ في الأزمنة القديمة يكتبه المؤرخون الذين يستندون إلى شهادات الشهود بسبب ندرة الكتابة والنشر في تلك الأزمنة الغابرة، أما في العصور الحديثة فإن الشهود هم من يكتبون التاريخ عبر نشر تجاربهم أو مذكراتهم الشخصية أو آرائهم المتعلقة في مجال عملهم، فالشهود أصبحوا قادرين على الرصد والبحث والنشر، وتبقى مهمة المؤرخين تحليل التاريخ، وهذا ما يحدث في الغرب منذ زمن.
***
كتاب «مال ورمال» تجربة رائعة نتمنى أن تتكرر من القيادات الإدارية في سائر المجالات، لتبقى التجارب والأفكار والآراء موثقة طي الكتب ليعود إليها الباحثون في المستقبل. وأختم بالقول إنه رغم الحديث عن الفساد والتفاصيل السلبية التي يذكرها المؤلف فإنه حرص على الإشارة إلى نقاط إيجابية في عالم الاستثمار مثل الجرأة الاستثمارية الكويتية والقرارات الاستراتيجية الصائبة. وتبقى الآمال متواصلة لا تنقطع لتبشر بمستقبل واعد ينتفع فيه الشبان من التجارب السابقة.
www.salahsayer.com
salah_sayer@