للعرب حضارة قديمة سبقت نزول الدين الحنيف معروفة المكان والزمان، بيد أن مساحة النفوذ «السياسي» العربي اتسعت مع الفتوحات الإسلامية التي وضعت إطارا «دينيا» للسياسة العربية في الامبراطورية الجديدة (دولة الخلافة)، والتي ورثها العثمانيون بعد ضمور سطوة العرب.
واستمر الغياب «السياسي» العربي حتى الظهور الثاني للعروبة السياسية بما عرف بالقومية العربية وشروع الناس في البحث عن جذور وحدة الأمة العربية، حيث تشابك الديني والثقافي والاجتماعي والسياسي والتاريخي في «همرجة» غريبة وغير مفهومة.
****
الهمرجة في «لسان العرب» معناها «الالتباس والاختلاط» أما في «تاج العروس» فالهمرجة تعني «الباطل والتخليط في الخبر» لذلك أقول: إن «العروبة السياسية» التي تجلت في النظام العربي السياسي، الذي نبكي تشظيه، هذه الأيام، ونتحسر على انكساراته، هي في حقيقة الأمر «همرجة» قومية صنعها الاستعمار الغربي لكي يقسم من خلالها ميراث الدولة العثمانية.
بيد أنها كانت، للأسف، صناعة رديئة عتيقة لا تتوافق ومفهوم الدولة الحديثة، وذلك ما يفسر سرعة التشظي وعدم مقاومتها للكسر وقت الاختبار.
****
بعد وفاة رجل أوروبا المريض (الدولة العثمانية) لم يتوافر للعرب الوعي السياسي الكافي الذي يسعفهم على إدراك ان «الدولة العلمانية» وحدها الدولة القابلة للحياة والاستمرار، فرحبوا بالدولة القومية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو، وانخرطوا في الصراع العربي ـ الإسرائيلي الذي تسبب فيه ذلك المفهوم الرث للدولة.
وأختم بمثال قريب وهو اختيار جزء من الشعب الهندي الدولة الدينية «باكستان» والذي تلاه قيام جزء من الشعب الباكستاني بالانفصال في دولة «بنغلاديش» لأسباب قومية بنغالية، في حين اختار بقية الهنود الدولة العلمانية «الهند»، والمثال واضح.
www.salahsayer.com
salah_sayer@