الأمم أو الشعوب المتخلفة التي تتوهم علو كعبها وتميزها عن الآخرين رغم تخلفها المدقع، هي بالضرورة أمة واقعة في قبضة ثقافة منغلقة، متآكلة، وتهيمن عليها ذهنية تلفيقية توفر لهذه الأمة المضطربة مشاجب لتعليق مظاهر وأسباب تخلفها عن اللحاق بالركب الحضاري، وبذلك تضعف من قدرتها على الإبصار وتحدّ من رؤيتها الواضحة لذاتها، فيتواصل غرورها وشعورها الكاذب بالفخر ويستمر تضخم «الأنا»، رغم تراجعها المشهود، لتبدو هذه الأمة في عيون الآخرين كمثل الثري الذي أفلس وتحول إلى شحاذ يتسول في الميادين وهو يردد «حسنة وأنا سيدك» ليذكّر المارة بأنه «السيد» في الوقت الذي يستعطي الإحسان والعطف!
****
من المستحيل أن يتغير حال الأمة، أي أمة، ما لم تعتد على ممارسة النقد الذاتي، وامتلاك القدرة على مراجعة الأفكار السائدة في ثقافتها، مهما بلغت درجة قدسية تلك الأفكار.
ونضرب مثالا باليابان التي أخضعت ثقافتها للنقد وشرعت بمراجعة جميع تفاصيل العقل الياباني، فتحولت من أمة مهزومة إلى أمة ناجحة بامتياز.
فالمراجعة محمودة لأن ما يناسب فترة زمنية ما قد لا يتناسب مع فترة زمنية مختلفة. والنظريات الاقتصادية أو الاجتماعية أو تلك المتعلقة بالتعليم وسواها من أفكار وآراء ونظريات ومناهج تتطور. ولا دائم سوى وجه الله سبحانه.
****
ما يمكن ملاحظته عند الحديث عن مواصفات الأمم المتخلفة والشعوب المغرورة زيادة مساحة المسكوت عنه في الثقافة السائدة حيث المجتمعات منشغلة، على الدوام، بما هو غير جوهري ولا يتعلق مباشرة بالمأزق الذي تعيشه هذه الأمة المضطربة أو ذاك الشعب المهزوم.
فالهوامش متخمة والحواشي سمينة بعكس المتون السقيمة الهزيلة.
كما يمكن ملاحظة هيمنة الماضوية على الذهنية الجمعية، فالحل جاهز والمستقبل موجود في رحم الماضي، الأمر الذي يباعد بين هذه المجتمعات المضطربة والأمل في الإصلاح الحقيقي والخروج من المأزق.
والله المستعان
www.salahsayer.com
salah_sayer@