صاحبت الانقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة العربية قسوة لم تشهد مثيلها أيام (الاستعمار الأوروبي) الذي حكم وتحكم في العديد من الدول العربية وقت كانت قوات الاحتلال تكتفي بنفي المعارض السياسي، أو منعه من ممارسة أنشطته المعادية لها، أو حبسه إذا اقتضى الأمر. بعكس حكم (الثورات العربية والثوار الوطنيين) الذين بعد أن ارتكبوا خياناتهم العظمى وقاموا بالانقلابات العسكرية نقلوا مدافعهم ودباباتهم وعقدهم النفسية معهم من الثكنات إلى القصور فتفننوا في معاقبة الخصوم بطرائق مرعبة وبالغة التوحش مثل الإبادة البشرية التي اقترفها «البعث السوري» في حماة أو «البعث العراقي» في حلبجة ضد الشعب الكردي.
***
قسوة «الثوار الوطنيين» أو الطغاة العسكر ونزعة الانتقام لديهم أسدلت ستائر من العتمة على التاريخ السياسي والاجتماعي لهذه الدول حيث كانت أجهزة الاستخبارات تحكم سيطرتها على حياة البشر وتخنق أنفاسهم، وأصبح الخوف «في جمهوريات الخوف» جزءا من طبيعة المجتمع في مقابل حالة الاطمئنان أو عدم خشية البطش في الدول العربية التي سلمت من شرور تلك الانقلابات حيث الحاكم ربيب الحكمة لا يمارس العقوبات المفرطة ضد مخالفيه، وحيث تكثر حالات الصفح والعفو وأشهرها عفو المغفور له الملك حسين عن المعارض «ليث شبيلات» واصطحابه في سيارته الخاصة لتسليمه إلى والدته العجوز في منزلها!
***
العفو عند المقدرة وفتح الصفحات الجديدة ميزة في التاريخ السياسي في دول الخليج، وقد برزت هذه الميزة في المعارك التي خاضها المغفور له الملك عبدالعزيز بن سعود من أجل توحيد المملكة، كما شهدت سلطنة عمان مصالحة تاريخية كبيرة حين مد السلطان قابوس، حفظه الله، يده الكريمة، وحقق الوحدة الوطنية في منطقة ظفار. ومثل ذلك التسامح شهدته العديد من الدول الخليجية التي لا ينزع حكامها إلى الانتقام من نزق مواطنيهم أو الإفراط في معاقبة المخالفين أو الخارجين عن الأصول والأعراف السائدة في علاقة الحاكم بشعبه. فإن تناهى إلى أسماعنا خبر عن رغبة سامية بالعفو والصفح عن البعض فلا غرو في ذلك ولا عجب. والعفو عند سيد العهد مأمول.
www.salahsayer.com
salah_sayer@