عملت الماكينة الإعلامية الهوجاء في خدمة الأنظمة السياسية العربية كثيرا وطويلا خاصة الأنظمة القومية التي سيطرت على مقاليد الحكم في بلادها في الخمسينيات وما بعدها.
فقد صدفت تلك الموجة الانقلابية ثورة إعلامية اجتاحت العالم فانتشرت المطابع وتكاثرت الصحف وتزايدت الإذاعات ومحطات البث المتلفز وتوافرت الأجهزة التلفزيونية في المقاهي والمنازل.
الأمر الذي مكن أجهزة الإعلام الحكومية من حشو عقول الناس بما يشتهي الحاكم، وقت كانت العقول تشبه الأوعية الفارغة يملأها صاحبها بما يريد.
وهكذا تمكن مذيع في إذاعة عربية من ترويج الأكاذيب والأوهام على اعتبارها حقائق فانتشرت كمثل النار في الهشيم من «الخليج الثائر إلى المحيط الهادر»!
***
تدخلت الأنظمة الأمنية في تجاويف الإعلام وتفاصيله الصغيرة، وكان تعيين مذيعة مبتدئة في إذاعة محلية أهم من اختيار رئيس الجامعة.
فالحروب والمشاريع التنموية والانتصارات المؤزرة على الاستعمار تتم فوق صفحات الجريدة أو في البرامج الإذاعية أو على شاشة السينما أو الأغنيات الوطنية.
ومن تأميم الإعلام المحلي انتقل الرفاق إلى شراء الصحف الخارجية وكان الهدف الأساس قلب الحقائق في العقول المغلوبة على أمرها.
فكلما تم إغلاق مصنع خاسر بسبب الفساد احتفلت الدولة بعيد العمال، وكلما تراجعت الجيوش في جبهات القتال لعلع الموال بالنصر المجيد.
كان حفار القبور يدفن الموتى، وكان الإعلام يدفن الأحياء ويطمس وعيهم بالأكاذيب.
***
نتذكر في منطقتنا العربية كيف تراقصت الشعوب من نشوة الفرح والفخر وهي تنشد مع المغني «قلنا حنبني وادي احنا بنينا السد العالي» فقد استقر في أذهان الناس «بفعل الماكينة الاعلامية المتوحشة» ان السد العالي معجزة في عالم بناء السدود ويكفي اسمه «العالي» الذي يدل على ارتفاعه الشاهق لكنك حين تفتش في تاريخ السدود في العالم سوف تدرك ان السدود العظيمة المشيدة قبله بسنوات كثيرة وبعضها يفوقه ارتفاعا وحجما.
بيد ان الأمم الأخرى لا تحول بناء سد إلى أغنية وطنية ولا تتلطى بالأسماء مثلنا نحن الذين نهتم بالظاهر على حساب الباطن.
وخير مثال «الجماهيرية العظمى» لصاحبها القذافي و«ام المعارك والمنازلة الكبرى» لصاحبهما «أبو الكلام» صدام حسين الذي وصف نفسه بانه «حارس البوابة الشرقية» فتبين بعد ذاك انه «لص البوابة الشمالية».
www.salahsayer.com
@salah_sayer