«من المعاناة يتولد الإبداع» عبارة يحفظها ويلوكها الكثيرون منا، وتهيمن على ذهنيات أكثر الناس في مجتمعاتنا البائسة حيث الاعتقاد السائد بأن الإبداع وليد الفقر والألم وأن الموهبة مرتبطة بالحرمان والمرض، حيث يتوجب على المبدع العربي أن يقدم إنتاجه إلى النقاد أو المحكمين مشفوعا بشهادة طبية تفيد بأن الأديب الواعد «كحيان بن طفران» مريض وكذلك شهادة مصرفية تفيد بأن اسمه مدرج في قائمة صندوق المعسرين، بالإضافة إلى شهادة من المختار تؤكد أنه سليل أسرة كادحة تكثر فيها الأمراض ولا تعرف التجارة أو الأسواق.
وكأن المواهب والملكات تتولد في الخرائب المعتمة أو في المشافي لا في العقول الحية المبدعة!
****
ينتشر ثلاثي الجهل والفقر والمرض في عوالمنا العربية بسبب غياب الحلول الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، لذلك ابتكرت الذهنية الجمعية حيلة تخفف بها عن الطبقات المعدمة بترويج المفاهيم المغلوطة المناهضة للغنى والصحة، حيث الإبداع لصيق الداء والعوز كما أن الذكاء قرين الفقراء والمرضى.
أما الثري فلا يمكن أن يبدع، والذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب محروم من الموهبة الأدبية أو الفنية أو العقلية، فلا يمكن للأصحاء أو أبناء الأثرياء أن يتقنوا الفنون التشكيلية أو العزف الموسيقي أو كتابة الروايات العظيمة أو الفوز في لعبة الشطرنج، فتلك مهمة المحرومين المعدمين القادرين وحدهم على التميز والتفوق!
****
إن انتشار هذه النظرة العدائية للأغنياء في العالم العربي وعدم الاعتراف بقدرة الغني على الإبداع، يعود إلى توافر الحسد (المجاني) الذي يدمدم في الصدور ضد الأثرياء (فقط لأنهم أصحاب ثروة) رغم أن الذاكرة الثقافية العربية تعج بالعديد من الأسماء الشهيرة والرائدة والمؤثرة في عالم الإبداع هم من الموسرين وسكان القصور.
وقد يكون من المناسب التذكير بأن الوفر المالي واليسر ورغد العيش، عوامل تسهم في خلق حالة مستقرة تمنح الموهوب فرصة أكبر للإبداع فهو قادر على صقل موهبته ورعايتها وتطويرها بالتحصيل العلمي أو بالتفرغ لممارستها، وذلك وضع لا يتوافر للفقير المعدم.
salah_sayer@
www.salahsayer.com