إضافة إلى تأثير التجار المباشر في الأسواق والحركة الاقتصادية، كان لهم تأثير بالغ في الحراك الاجتماعي والثقافي والتحولات العميقة التي شهدتها سائر المجتمعات. وفي الكويت القديمة، ومثلما أسهم التجار في تحويل البلاد إلى سوق إقليمية مهمة أسهموا كذلك في تطور المجتمع المدني ورعوا الأنشطة الأدبية واهتموا بالعمل الخيري وبادروا إلى بناء المدارس والمساجد. ذلك ان الطبقة التجارية بطبيعتها طبقة مؤثرة ومغيرة. وأشير إلى الفيلسوف الاسكتلندي «ديفيد هيوم» القائل بأن «انتشار التجارة من العوامل الحيوية في تهذيب المجتمع وتقدم العلوم والفنون».
> > >
لعبت التجارة الدور الرئيسي في انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا (فرغم ما حدث في العالم الإسلامي من أحداث جسيمة بعد غزو المغول وتدمير بغداد إلا أن المسلمين قد بقوا سادة التجارة في المحيط الهندي)، ويضيف المرحوم محمود شاكر في كتابه «التاريخ الإسلامي» بقوله «إن الإسلام عم منطقة جنوب شرقي آسيا التي لم تنطلق إليها سرية، ولم ترتفع نحوها راية للجهاد، ولم يتقدم إليها جيش فتح، وإنما انتشر الإسلام عن طريق التجارة، أو في الحقيقة عن طريق حسن المعاملة، ومكارم الأخلاق، واحترام المبادئ، وأدب التصرف. لقد أعجب السكان بهذه القيم فتمثلوها، وبهرتهم الأفكار فقبلوها، فوجدوا أنفسهم مسلمين».
> > >
يفصح تاريخ الإسلام في ماليزيا وإندونيسيا عن القوة المغيرة للتجارة إلى درجة تغيير المعتقدات الدينية لدى الأقوام الأخرى. كما ان «التجارة تعزز التعقل والتمدن» حسب الباحث نايجل اشفورد في كتابه «مبادئ لمجتمع حر» وقد أوضح المفكر الأميركي من أصل ياباني «فرانسيس فوكوياما» ان «التجارة تسهم في خلق الثقة التي تمكن المجتمع المدني من التطور»، أما رائد الفلسفة السياسية الحديثة الفرنسي «مونتسكيو» فقد أرجع الفضل إلى التجارة في نشر الأخلاق الحميدة بين أفراد شعوب شمال أوروبا (الدول الاسكندنافية) الذين أطلق عليهم الرومان فيما مضى اسم «الهمج»!
www.salahsayer.com
salah_sayer@