في صبيحة يوم الأحد من كل أسبوع وفي الطريق إلى المدرسة كان الأب يسأل أبناءه عن مشاعرهم وهم ذاهبون إلى المدرسة بعد انقضاء عطلة الأسبوع. وكان الأب يبتسم ويشجع الصغار على التصريح بانزعاجهم والتعبير عن مشاعر الضيق والحزن بسبب ذهابهم إلى المدرسة!! ولم يكن ذلك التصرف الأبوي (الغريب) مقبولا من الأقرباء الذين كانوا يستنكرون تلك الفعلة الأبوية (الشنيعة) إلا أن الأب، وحده، كان يدرك أنه يقوم بتدريب أبنائه على شجاعة التعبير بصدق وإدراك حقائق الحياة حيث المنفعة تتطلب الصبر على المشقة.
> > >
تذكرت حكاية ذلك الأب الكويتي وتصرفه المدهش مع أبنائه وأنا أطالع في كتاب «اللاعنف في التربية» للمفكر الفرنسي «جان ماري مولر» الذي يشير فيه إلى أن التعليم المدرسي في جميع دول العالم موجه إلى أطفال لم يختاروا الذهاب إلى المدرسة بل هم مكرهون ومجبرون على الدراسة والذهاب إلى المدرسة. فالتلميذ في الحياة الدراسية يكابد العنف والقسوة ويخضع لنظام صارم. وحتى ينجح ينبغي عليه أن يكدح ويتكبد التعب والمشقة. وهذا يعني أنه ينبغي عليه أن (يتألم) وقد لاحظ مترجم الكتاب التجانس اللفظي في اللغة العربية بين الفعلين تعلم وتألم.
> > >
عدم تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعر الضيق من المدرسة التي يكرهونها (بطبيعة الحال) يدفعهم لاحقا إلى ممارسة الكذب وإخفاء الحقيقة في سرائرهم، خاصة أنهم يدركون أن أولياء الأمور (يكذبون) وهم يربطون الفرح بالمدرسة وأداء الواجب المدرسي. وربما يفسر هذا (الممنوع) المساحة العظيمة للمسكوت عنه في ثقافتنا. فنحن نعيش الحياة بصورة مقلوبة أو معكوسة، فمنذ نعومة أظفارنا ندعي حب أمور نكرهها، ونعبر عن سعادة افتراضية غير موجودة في دواخلنا، فنتعود الكبت ولا نحسن التعبير الصادق، وندخل في دوامة نفاق وخداع جواني يقوم فيه المرء على مراوغة الذات وإظهار خلاف ما يبطن. والله المستعان. www.salahsayer.com
salah_sayer@