تشكلت دولة «داعش» فوق ركام المدن المهدمة في العراق والشام بعد أن طلعت من بين خرائب الأفكار الضالة التي تخلط الدين بالسياسة وتتوهم القدرة على مغالبة العصر وإقامة دولة دينية، وتغفل عن حقيقة ساطعة، وهي أن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم جاء برسالة «دينية لا سياسية» وفي سورة المائدة التي نزلت في حجة الوداع نقرأ (اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ولم نقرأ كلمة «دولة»، وأما نشوء وتطور وتوسع وقوة وانهيار «الدولة الإسلامية» بعد حياة النبي فإنه نتاج الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدءا من الخلفاء الراشدين حتى حكم الأتراك في الخلافة العثمانية.
> > >
الظهور الغريب المريب للدولة الدينية والذي شهدناه في وقتنا الراهن متمثلا في «داعش» عرفته البشرية في مواقع اخرى منها اوروبا التي تنافست وتناحرت فيها المقاطعات والممالك الدينية حتى اجتاحتها عام 1618 حرب دينية (مسيحية) شاملة استمرت ثلاثين عاما (!) مات فيها أعداد كبيرة من الأوروبيين، والتهمت النيران الأخضر واليابس، وانتشر الخراب والأمراض والدمار والبؤس في كل مكان، قبل أن يدرك الجميع عام 1648 استحالة استمرار الدولة الدينية فتم التوقيع على «اتفاقية ويستفاليا للسلام» وبزغ على العالم نظام جديد وشكل حديث للدولة، فتقدمت البشرية خطوة جبارة في مشوار الحضارة على هذا الكوكب.
> > >
شيوع فكرة إمكانية استعادة الدولة الدينية لدى العرب يعود إلى عدة أسباب، أهمها توقف تطور الفكر السياسي لديهم أو غيابه بالكامل مذ خضعوا للاستعمار العثماني «تركيا» لمدة تتجاوز الاربع قرون. الأمر الذي أتاح لتيار «لإسلام السياسي» ملء الفراغ الذهني بالبديل المزيف والمغشوش الذي يخلط الدين بالسياسة في مجتمعات غاب عنها التنوير والتفكير العقلاني ويتزاحم فيها الناس حول السحرة ويصغون لتفاسير أحلامهم في المنام، وتذيع فيها الإذاعات والتلفزات، وتحت أنظار الحكومات العتيدة، أقوالا لمشايخ دين يقولون فيها «ان سبب تخلف المسلمين ابتعادهم عن الدين» فيصدقهم الجمهور الكريم وينسى ان الماليزيين والهنود مسلمون ومتقدمون!
www.salahsayer.com
@salah_sayer