بحكم تجربته العملية الطويلة وتعدد مواهبه الفنية، كان الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا غزير الإنتاج، وقد قدم أعمالا مشهودة وبارزة رسخت في ذاكرة الناس العرب كمثل الجبال الرواسي. غير أن الكمال لله وحده، فقد كان يحدث أن تلحق هفوات فنية في بعض تلك الأعمال أو جزء منها. وحين يأتي حديث المجالس عن تلك الهفوات الصغيرة في أعمال ذلك الفنان الكبير كانت النظرات تتجه صوبي متبوعة بالسؤال «ليش ما تنتقد عبد الحسين»؟! وكانت إجابتي الدائمة بالرفض القاطع وتأكيد المنزلة الإنسانية والفنية الرفيعة لهذا الفنان الإنسان، ثم أقوم بسرد القصة التالية.
***
في عام 1984 تلقيت اتصالا من الفنان الراحل، رحمة الله عليه، يطلب من «ولد فريجهم» حسب وصفه لي، أن أقوم بزيارته لتناول طعام الغداء معه في مكتبه في المسرح الوطني، وحين حضرت وبعد السلام والكلام والطعام المكون من «مربين ودقوس صبار» شرع أبو عدنان في قراءة نص قام بكتابته لمسرحية جديدة، وطلب مني الانتباه وإبداء الملاحظات حول أي كلمة او موقف لا «استسيغه» وعلى عادة الفقيد و«قفشاته» الضاحكة توقف بعض الوقت عند كلمة «استسيغه» وحين فرغ من قراءة النص (الذي لم أعلق عليه ولم أبد أي ملاحظة) نهض من مقعده واحتضنني بمحبة غامرة وشكرني بتواضع جم أدهشني!
***
سألته عن سبب دعوتي وإشراكي في هذه المراجعة وهو القامة الفنية الشامخة وصاحب التجربة الثرية، وأنا شاب بالكاد مشيت في مشوار الصحافة والفن والأدب. فقال: «أنا ارتاح لفهمك للأمور يا صلاح.. وهذه المسرحية «فرحة أمة» راح نعرضها أمام قادة دول الخليج ضيوف الأمير.. وأحتاج لأكثر من رأي حول النص كي أضمن تقديم العمل بصورة جيدة»، خرجت من مكتبه وأنا أشفق عليه من هذه الروح الفنية الملتهبة بين جوانحه، وأدركت يومها أن الهفوات الفنية الصغيرة التي قد تحدث في أعمال هذا الفنان الكبير إنما تحدث بسبب أن الكمال لله وحده.
رحمة الله عليك أيها الفنان الجميل والإنسان النبيل.
www.salahsayer.com
salah_sayer@