لست أعرف أمة ناقمة على ذاتها مثل العرب. فنحن أدمنا جلد الذات على نحو قاسٍ موجع. فعند كل نازلة وكارثة يتسابق القوم على شتم أنفسهم ولطم صدورهم، ونشر النكات السوداء التي تسخر من الشعب العربي والحكام العرب.
وأشير إلى أن أهم شعرائنا ليس هو الأكثر حكمة أو بلاغة بين الشعراء بل هو الأكثر قدرة على جلدنا.
فنزار قباني متعب بعروبته ويعتبرها «لعنة وعقابا» ولا تخلو صحيفة عربية من رسوم كاريكاتورية ساخرة تهزأ بالصمت العربي حول ما يجري في فلسطين أو سورية. وكأن الحاكم العربي يمتلك سلاحا سريا قادرا على محو إسرائيل من الوجود.
> > >
نجمت هذه المازوخية العربية وهذا الجلد الموسمي للذات من المعاناة الفلسطينية. فالشعب الفلسطيني أول شعب عربي خذلته الدول العربية التي شجعت الفلسطينيين على رفض قرار التقسيم عام 1947 فحدثت (النكبة) وبعدها (النكسة) وخسر الناس الفلسطينيون أراضيهم وبساتينهم وبيوتهم واضطر العديد منهم إلى النزوح والعيش في مخيمات اللجوء.
أما كيف تمكنوا من تأصيل هذه النقمة على الذات في العقل العربي؟! فذلك يعود إلى أنهم شعب متميز يمتلك القدرة على التأثير. ففي العديد من الدول العربية كانت الصحافة ودور النشر ووسائل الإعلام والتعليم في قبضتهم بحكم المهنية التي يتميزون بها عن سواهم من العرب.
> > >
من يتفحص الأسماء المتميزة أو الرواد في لبنان وسورية والأردن والدول الخليجية في مجال المال والأعمال والعلوم والتعليم والأدب والفنون والإدارة والطب أو غيرها من مجالات يدرك حقيقة العبقرية الفلسطينية، وقد حمل الكثير منهم جنسية تلك البلاد العربية بعد أن شاركوا في البناء والتنمية.
وربما تكون الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني ومأساته مع دولة إسرائيل سبب من أسباب هذا التميز، خاصة ان هناك من يقول ان العبقرية اليهودية المشهودة في العالم وسيطرتهم على الاقتصاد والعلوم والإعلام سببها الكوارث والنكبات التي لحقت باليهود. وقديما قيل: «رب ضارة نافعة».
www.salahsayer.com
salah_sayer@