عن القناعة والاكتفاء بالموجود قد يردد البعض القول المأثور «خرير الجدول الصغير يغنيك عن النهر الكبير» وهي عبارة منسوبة للمفكر الأرجنتيني «خاندريو بربوس» وقد وردت في كتابه الشهير وعنوانه «هكذا تحدثت جلالة الغيمة» ومعنى العبارة (ان الماء القليل يغنيك عن الماء الكثير) بيد أن العبارة، للأسف، خطأ لأنها تذكر الخرير (صوت الماء) لا الماء، والصوت لا يروي العطش بل الماء يفعل! والأدهى من ذلك ان العبارة برمتها ملفقة وغير صحيحة لأنني أنا من قام بتركيبها من اجل كتابة هذا المقال (!) كما لا يوجد كاتب أرجنتيني بهذا الاسم، وبالتالي لا يوجد كتاب عنوانه «عندما تحدثت جلالة الغيمة» ولا صاحبة السمو السحابة ولا فخامة الضباب!
***
بعد الاعتذار عن الإدلاء بمعلومات مزيفة (كذب أبيض) أشير إلى ظاهرة منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي وهي نشر عبارات وأقوال منسوبة لزعماء أو فلاسفة أو كتاب أو نحوهم من المشاهير، وحين تدقق بالعبارة العظيمة أو القول المأثور تجدها خاوية مضللة كتبها صاحبها ونسبها لشخصية شهيرة كي يصدقها الناس، الأمر الذي يذكرنا بحكاية عميد الأديب العربي طه حسين مع الشعر الجاهلي الذي وصفه بالمنحول، وقال ان عددا من رواة الشعر المشهورين الذين كانوا يحفظون الشعر القديم ويروونه، مثل خلف الأحمر، كانوا يقومون بنظم القصائد وينسبونها للشعراء القدماء فيصدقهم الناس حتى وصل ذلك الشعر المزيف إلينا وصدقناه.
****
نحن كذلك نردد العديد من العبارات الشهيرة دون فحصها وأشهر هذه العبارات أو الحكم أو الأقوال «الحاجة أم الاختراع» وهي عبارة غير دقيقة، فالمرضى لا يصنعون الدواء رغم حاجتهم له، بل يصنعه العلماء الأصحاء.
وعند الصباح نقول: «أصبحنا وأصبح الملك لله» ونحن نعلم أن الملك لله، سبحانه وتعالى، منذ الأزل إلى الأبد.
وأختم بقول شاعرنا الراحل الشهيد فايق عبدالجليل في الأغنية الشهيرة التي غناها فنان العرب محمد عبده «نسيتيني مثل ما تنسى الأمطار الصحاري» وأذكر بان المطر لا ينسى الصحراء بل يذكرها في مواسم الشتاء. أما المنطقة التي نسيها المطر منذ ملايين السنين فهي أجزاء من القطب الجنوبي، حيث الجليد الظمآن تحت سماء عقيمة.
www.salahsayer.com
@salah_sayer