نخرج من عتمة الغيب إلى نور الحياة لنمارس الانتظار، وربما لهذا السبب (الانتظار) يبكي الوليد لحظة مولده. نجوع في المهد فننتظر لحظة الرضاعة.
ننتظر ان ننمو لنمشي، وننتظر ان نكبر لنلتحق بالمدرسة مثل اخوتنا الكبار، وفيها ننتظر نتائج الامتحانات كما ننتظر العطلة الصيفية.
وبعد المدرسة ننتظر بلوغ السن القانونية للحصول على رخصة قيادة، ثم ننتظر خروج الحبيبة من منزل اهلها. وبعد الزواج ننتظر حملها حتى نرزق بأطفال.
ننتظر ساعة الانصراف من العمل وساعة خروج الابناء من المدرسة وننتظر الراتب والعلاوة ثم ننتظر في العيادات الطبية في مقاعد كبار السن!
****
الحياة لحظة انتظار طويلة ومتنوعة. ننتظر في الطوابير امام شباك المعاملات وفي صالات الانتظار، وننتظر على الهاتف عند الاتصال بخدمة العملاء.
وقد صورت السينما حالة انتظار الزوج لزوجته وهي في غرفة الولادة بشخص قلق يذرع الغرفة «رايح جاي»، اما أشهر وأقدم حالة انتظار لدى المسلمين فتتجلى في انتظار «المهدي المنتظر» ليملأ الأرض عدلا وقسطا بعد أن ملئت ظلما وجورا.
والحالة موجودة في المسيحية وقبلها في اليهودية، وقيل ان فكرة انتظار البشر للمخلص فكرة تسللت من الديانات الفارسية والمصرية إلى اليهودية اثناء السبي البابلي.
****
ننتظر الشتاء على أحر من جمرة القيظ وحين تتقاطر الغيوم في سمواتنا ويصقع الطقس نشكو البرد وننتظر دفء الصيف. هكذا نحن على الدوام ننتظر الطائرة المتأخرة عن موعدها، وننتظر الحافلات تقلنا إلى حيث نريد.
ننتظر اليانصيب، الموت، الرسائل «الهوم دليفري» الرزق، اتصال هاتفي ما، المطر، موسم السفر.. وجميعنا مثل صموئيل بيكيت «في انتظار غودو» وأم كلثوم في أغنية «أغدا القاك» تقول: «يا لشوقي واحتراقي بانتظار الموعد» وإلى هنا ينتهى مقال اليوم و«بانتظار» المقال القادم!
www.salahsayer.com
salah_sayer@