عندما نفكر ونتأمل في الحال التاعس الذي تعيشه بعض الشعوب العربية في دولها، ونحزن لتردّي الأوضاع في هذه الدولة أو تلك، نبتهل إلى الله بأن «تحقق السلطات الحاكمة رغبات الشعوب، وأن تمنحها الحرية كي تعبر عما تريد أو تتمنى» فنكون قد قمنا بارتكاب جريمة شنيعة في حق الآخرين دون أن نعلم. ذلك ان الدعاء الحقيقي ينبغي ان يكون لصالح الشعوب ويتجلى بالتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ان يعين الحاكم على القيام بما يخدم الناس لا ما يحقق رغباتهم التي قد تتعارض ومصلحتهم الحقيقية.
> أثبتت التجارب الحية التي عشناها في تاريخنا المعاصر ان شعوب هذه المنطقة ترغب بما لا ينفعها (!) فالملايين تخرج إلى الشوارع للمشاركة بمظاهرات تناشد الرئيس الذي قاد بلادها إلى الهزيمة العدول عن الاستقالة وتطالبه بالاستمرار في الحكم! وآلاف النساء الكويتيات يهرعن إلى مركز الاقتراع للتصويت لصالح من وقف ضد منح المرأة حقوقها السياسية. وفي بلاد تعتمد على السياحة وتعاني من اقتصاد ضعيف ينتخب الناس من يحرضهم ضد السياح الأجانب رغم معرفتهم بالضرر الذي سيلحق باقتصاد الدولة جراء تراجع الدخل من السياحة. انه مشهد يستدعي البكاء والكمد الشديد.
> (الجماهير مجنونة بطبيعتها) هكذا يقول غوستاف لوبون في كتابه الأشهر «سيكولوجية الجماهير» وأضيف أن الحكم الصالح هو الذي يحقق مصلحة الجماهير دون أن يسألها عن هذه المصلحة. ففي مجتمعات، كمثل مجتمعاتنا العربية، تؤمن بالسحر والكرامات وتنتشر فيها الشعوذة والفوضى ويقبل الناس على تفسير الأحلام وقراءة الطالع وتصديق الخرافات، ويدفع فيها الفقراء أموالهم طواعية لرجل الدين فاحش الثراء، ويتمترس فيها الناس في العائلة والقبيلة والمذهب، لن توصلها صناديق الانتخابات إلى مصلحتها، بل تبتعد بها عن تلك الشطآن المأمونة المأمولة، وتجنح بها فوق صخور الحياة.
www.salahsayer.com
salah_sayer@