ثانية أشير إلى مدينة القدس بوصفها حالة ارتباك شديدة لدى البشرية، وذلك بسبب قداستها في الديانات السماوية الثلاث التي نشأت في هذا الجزء من العالم.
الأمر الذي حولها إلى جبهة حرب ونزاع مشتعلة على الدوام بين المؤمنين من أتباع اليهودية والمسيحية والإسلام، وصار «المُقدّس» الإلهي «مُدنّسا» بشريا، وقد كان يفترض بالبشرية التي قطعت اشواطا طويلة في مضامير الحضارة ان تحول القدس (مدينة السلام، اورشليم) إلى مدينة معولمة تقام فيها جميع الصلوات والابتهالات ويلتقي فيها جميع البشر بصرف النظر عن دياناتهم ومشاربهم الروحية، فيكون «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة».
****
ديانة «مدينة القدس» ومركز وتبعية قداستها قضية شائكة ومختلف عليها، وكذلك عنوانها أو الطريق إليها الذي تحول إلى قضية خلافية لدى العرب والعجم، فقد اعتقد الفلسطينيون اثناء وجودهم العسكري في لبنان ان الطريق إلى القدس يمر عبر «جونية» المدينة اللبنانية الساحلية ومعقل المسيحيين هناك. أما خميني واثناء الحرب الايرانية العراقية فقد اشاع بين اتباعه ان الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد.
وبعدها قام «لص بغداد» المدعو صدام حسين بغزو الكويت وإيهام الناس ان طريق القدس يمر عبر الكويت. وفي سورية كرر حزب الله قصة الضياع وقال ان الطريق إلى القدس يمر عبر حلب. وهكذا تحولت القدس إلى عنوان للتيه في متاهة العرب.
****
القدس الحائرة بين قداسة مرتبكة المصدر وطريق ضائع يمر عبر مدن العرب ليقلب حياتهم إلى جحيم، عادت من جديد فيما يشبه «الكوميديا السوداء» بعد اعلان الرئيس ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل حين بكى العرب ضياع عاصمة في دولة مرسومة احداثياتها على خارطة افتراضية. وذلك أمر محير ولا يفهمه العالم.
كما ارتفعت وتيرة «الضحك والبكاء» مع الدول التي اشتهرت بالعداء لإسرائيل و«الموت لأميركا» وتملك جيشا يدعى «فيلق القدس» وتتمترس قواتها المسلحة على مشارف القدس في سورية ولبنان، والتي اكتفت بالصراخ ورفع الشعارات المعتادة والناس من حولها يهتفون ويشتمون الدول العربية المعتدلة التي منّ عليها الله بحكام عقلاء. ولله الحمد والمنّة.
www.salahsayer.com
salah_sayer@