تعجّ مجتمعاتنا بالأخطاء الشائعة، ومن أهمها وأخطرها وأكثرها انتشارا (القراءة الخاطئة) فأغلبنا يقرأ ليرضى ويرتاح، لا ليقلق ويتكبد عناء التفكير. فنجده يبحث بين السطور عما يرضيه ويتوافق مع أفكاره وقناعاته. والكاتب الجيد في عوالمنا المريضة هو الكاتب الذي يعبر عن رأي الناس الذين يطلقون عليه «صوت الجماهير» أو «لسان الشعب» وكأن للجماهير رأيا واحدا، لا أراء متعددة. وفي ذلك إهانة للشعب وتحقير للجماهير، لأنه يصورها في صورة القطيع الذي يتشابه أفراده الذين يعاملهم الكاتب مثلما يعامل (مدلك المساج) زبائنه يدلكهم بالآراء والأفكار المريحة لتسترخي أعصابهم المشدودة.
> > >
أما قراءة ما يكتبه الكاتب المتمرد فعناء ومشقة، حيث القراء يربطون حزام الأمان لكثرة المطبات والاصطدامات مع القناعات المسبقة. وبعض القراء بدلا من استعمال نظارة القراءة يلجأ إلى مجهر رجل المباحث الشهير «شرلوك هولمز» ليتقصى آثار الجريمة في ثنايا المقال. فالكاتب المتمرد متهم حتى (تثبت إدانته) فهو لم يطرح هذه القضية إلا بغرض نسف أساساتها لأنه دائم التشكيك بقناعات الناس وأفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم. وكثيرا ما يتطور الأمر لدى البعض الآخر من القراء فيتوهمون ان الكاتب المتمرد في حقيقته هو (جاسوس صهيوني امبريالي شيوعي علماني ماسوني)! يعمل لدى الكفار ويكتب بغرض تدمير الأمة.
> > >
الاختلاف بين الناس رحمة، شريطة أن يكون الاختلاف حضاريا، والكتابة احدى تجليات الحضارة البشرية. ومن طبيعتي ان قال لي شخص (أنا قرأت مقالك وأختلف معك) ارد عليه فورا مع ابتسامة عريضة (الله يبشرك بالخير) ذلك انه ليس كل كاتب (فاشينست) يبحث عن معجبين وعن مريدين أو (فلورز أو لايكات) والغريب العجيب في مجتمعاتنا ان الذين يتحدثون كثيرا عن أهمية القراءة يغفلون عن الأهم وهو القراءة (السليمة أو الإيجابية) التي تحرص على قراءة الأفكار (الولود) الساعية إلى توليد أفكار جديدة لدى القراء بعيدا عن الاتهامات المسبقة ونظرات الريبة من عيون مستر.. شرلوك هولمز.
www.salahsayer.com
salah_sayer@