يتحدث الناس في مدينة تورنتو الكندية 140 لغة مختلفة لأنهم يتحدرون من أصول متعددة وينتمون إلى ثقافات مختلفة، وتعجّ شوارع المدينة بمطاعم متنوعة المطابخ. فالتعددية أضحت سمة العصر، وأمسى التنوع مصدر قوة تتسابق عليه المدن الحديثة في عصر يشهد تبدل شكل الدولة القديمة. الأمر الذي قد يؤدي في المستقبل إلى اختفاء البعد القومي أو الديني أو السياسي أو التاريخي عن الدولة وربما يسقط عنصر الجغرافيا من مفهوم الدولة فتصبح الدول كيانات افتراضية مثلها مثل المواقع الالكترونية في الإنترنت.
> > >
اذا كان شكل الدولة الحديثة وتعريفها ومفهومها يختلف عن شكل وتعريف ومفهوم الممالك والكيانات القديمة. فما الذي يمنع تغير التعريف والشكل والمفهوم الحالي للدولة؟ خاصة ان البشر يبحثون موضوع غزو الفضاء بجدية علمية لافتة، ومن المحتمل مستقبلا إقامة مستوطنات بشرية على سطح (دولة المريخ) حيث لا حقوق تاريخية ولا دعاوى دينية. وكنت قد كتبت سابقا عن احتمال تحول الشركات العملاقة، العابرة للقارات، إلى دول مستقلة ذات سيادة افتراضية يحمل العاملون فيها (المواطنون) جوازات سفر تمثل دولتهم التي قد تكون (جمهورية سوني) أو (مملكة مايكروسوفت العظمى) أو نحو ذلك.
> > >
كنا نتعجب من وجود شرطة (غير عرب) في دولة خليجية، وبمرور الوقت أثبتت التجربة نجاحها ولم يكن للعجب داع. فالعمل الشرطي مهنة احترافية تتطلب العلم والتدريب والأمانة ولا علاقة لها بالجنسية مثل الطبيب والمهندس. وان كان التعدد والتنوع أمر جيد على صعيد الأعمال والتجارة وسائر المناشط، فلماذا لا يكون جيدا على صعيد (المواطنة) التي قد تمنحها الدولة للعاملين فيها والذين، حكما، يشعرون بالولاء للأرض التي يعملون ويسكنون فيها. فالإرهاب الذي هاجم مانهاتن في نيويورك لم يفرق بين ساكنيها الذين بدورهم هبوا للدفاع عن مدينتهم فكان منهم الهندي البوذي والأفريقية المسلمة والعربي المسيحي والأميركية اليهودية.. إنهم ناس وتلك مدينتهم.. مدينة الناس.
www.salahsayer.com
salah_sayer@