كانت عذوبة الصوت ورخامته شرطا من شروط احتراف الغناء في الأزمنة الماضية، فأصبحنا نعيش في عصر ديموقراطي جدا يسمح للجميع باحتراف الطرب و(اقتراف الغناء) ويوفر جمهورا لمغنّ يتمتع بموهبة النهيق. فالحياة تغيرت، وفي زمان مضى وانقضى كان من يتولى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، إما يكون رجل قانون متمرسا في القوانين أو عسكريا رفيعا أو حاكم ولاية حتى شهدنا دخول (بزنس مان) إلى البيت الأبيض وجلوسه في المكتب البيضاوي. ويتذكر البعض الأيام الخوالي حين كان المستهلك يحرص كل الحرص على اقتناء البضائع الانجليزية ويرفض منتجات الصين (التقليد) حتى دارت الأفلاك وشاهدنا البشرية بأجمعها تهرول للحصول على تلك السلعة الصينية المقلدة!
>>>
كنا نمتدح المنتج فنقول (أصلي) للدلالة على متانته وجودته وانه غير مزيف بيد ان هذه الكلمة في زماننا الراهن أصبحت بلا معنى وحلت مكانها كلمات مثل (مزيف) أو (تافه) للدلالة على جودة الأشياء أو على منزلة البشر (!) فالمشاهير اليوم مزيفون، والنجوم بلا لمعان، وأصحاب التأثير تافهون، والفضلاء الأكارم ليسوا كذلك، والشجعان يرتجفون من رؤية صرصور، والناس يرفعون رايات من سراب ويتسابقون لمتابعة العدم، وهم يهتفون لمجد الفراغ. وأمست الحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي تقود الجماهير الغاضبة والتي لا تعلم لم هي غاضبة أو (وين الله حاطها) حيث منطق (مع الخيل يا شقرا) يتحكم بأذهان الناس.
>>>
بعد communism الشيوعية وبعد capitalism الرأسمالية يبدو أن البشرية وبمحض إرادتها ودون تعبئة حزبية أو حكومية دخلت مرحلة fakeism أو الزائفية من كلمة fake حيث الزيف سيد المرحلة الراهنة التي فيها الأشياء لا تمثل ذاتها ولا البشر يشبهون أنفسهم. فالسياسي يصلح للقيام بأي دور سوى السياسة، وشيخ الدين في السناب شات يتمتع بحس فكاهي وفقر مدقع في معرفة أصول الشريعة. وليس في الجميل جمال، ولا الرقاصة تعرف ترقص، ولا عطر في قارورة العطر. فكل ما في الأمر شمس متغطلمطلسة ظهرت على عباد الله المتغطلمطلسين فتغطلمطلسوا فيها، والله المستعان.
www.salahsayer.com
salah_sayer@