الوجود التاريخي لشعب ما في مكان ما لا يمنع انتقاله إلى مكان جديد واعتباره موطنه الجديد. فالحديث عن الجذور التاريخية حديث عاطفي أقرب إلى الكلام الرومانسي منه إلى الواقع، وإلا لما عرفت البشرية الهجرات العديدة منذ بدء الخليقة. فالإنسان مجبول على الترحال والهجرة وإعادة التموضع في مكان آخر غير المكان الذي نشأ فيه متى ما أجبرته الظروف على ذلك والتي منها الحروب والنزاعات على الأرض والمجاعات التي كانت تجبر الناس على الهجرة والانتقال إلى مواطن جديدة بهدف العيش في نعيم الاستقرار والابتعاد عن الأذى والخوف والشقاء.
> > >
الدول وسائر الكيانات السياسية تظهر وتتمدد وتتقلص وتختفي حسب موازين القوى والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لهذا نقرأ في الأقوال المأثورة (لكل زمان دولة ورجال) وأشير إلى أقوى دولة في العالم التي أسسها قوم عبروا المحيط الأطلنطي، فلم تكن أميركا الشمالية موطنهم بيد أنها أصبحت كذلك. وفي جنوب أفريقيا حيث بشرة الناس سوداء يعيش شعب أبيض. وفي أوروبا يعيش عرب وهنود وصينيون نقلوا معهم جذورهم التاريخية من دين وطعام وملبس. فالجذور التاريخية في يد الإنسان لا في المكان. والشعوب الحية بمقدورها البدء من جديد في الوطن البديل.
> > >
كانت الهجرات القديمة وتأسيس الأوطان البديلة تعكس حكمة البشر وشجاعتهم ونزعتهم إلى التحرر والاستقرار والعيش في سلام. فكانوا يهاجرون ويتركون مواطنهم القديمة بحثا عن مصالحهم في الموطن الجديد، ولم ينشغلوا بالهذر المكرور عن (الجذور والحقوق التاريخية والدينية) ولم يخرج من بينهم أشخاص يعيشون مرفهين في القصور الفخيمة ليصفوا الأفكار الرائدة والشجاعة المتعلقة بالموطن البديل بأنها مؤامرة على الشعب وتصفية للقضية، بهدف إبقاء الناس المساكين وقودا لنار طبخ الجميع عليها طعامهم، فأكلوا وشبعوا وبقي الشعب بردان جائعا في خيام اللاجئين.
www.salahsayer.com
salah_sayer@