عرفت البشرية أهمية التوقف المؤقت عن العمل بما يعرف بالعطلة أو الإجازة من أجل الراحة والابتعاد عن ضغوطات العمل والاستمتاع بالاسترخاء وكسر الرتابة التي يتطلبها العمل من حضور وانصراف وأداء الواجبات اليومية والممارسات الاعتيادية التي تتم عادة في مواقع العمل.
فالطبيب يستمتع بإجازته حين يتوقف عن العمل بابتعاده عن العيادة وعن المرضى، والمحامي يتوقف عن العمل حين يبتعد عن مكتبه ولا يرتدي ثوب المحاماة ولا يذهب إلى المحاكم، ومثله المهندس الذي يتوقف عن العمل حالما يغادر موقع الإنشاء ويبتعد عن الخرائط.
***
وحده الكاتب (المسكين) يعمل حين يتوقف الآخرون ويستمتعون بعطلاتهم وأسفارهم وصحوهم ورقادهم. ذلك ان أهم عناصر عمل الكتابة تتم في عقل الكاتب، لا في المكاتب أو المصانع أو الشركات التي يمكن مغادرتها والابتعاد عنها، الأمر الذي لا يمكن حدوثة مع (العقل) الذي يحمله الإنسان معه حيثما يذهب والذي في داخله تولد الأفكار وتتخلق وتنمو لتصبح جاهزة للصياغة التي تعد آخر وأسهل مراحل العمل لدى الكاتب المحترف الذي يعمل في صيد الأفكار، وذلك عمل لا يمكن الانصراف منه أو مغادرته. فالكاتب يعمل في المكتب أو في الحافلة أو تحت الدوش أو أثناء تناول الطعام.
***
كان أحد الشعراء في البرازيل حين ينام يعلق على غرفته لافتة مكتوب فيها (الشاعر يعمل) ويعني ان الشاعر لا يتوقف عن العمل حتى في أحلامه وهو راقد في السرير، وكذلك الكاتب الذي يجد في كل مشهد يصادفه في الأسواق أو الشطآن أو يراه في شاشة التلفزيون بذرة لفكرة وليدة فيعمل عقله تلقائيا على تنشئة البذرة ورعايتها كي تكبر وتصبح فكرة ناضجة.
إنه أمر يتعلق بالعقل الذي لا خلاص منه. فعندما يفتح الطبيب عينيه ويحدق طويلا في مكمن الداء، يغمض الكاتب عينيه ويسرح بعيدا لاقتناص طريدته ليعود ويفتح عينه ثانية وفي قبضته جملة مفيدة، فريدة.. انها الكتابة.. اللعنة النبيلة.
www.salahsayer.com
@salah_sayer