يوما بعد يوم يتأكد للبشرية ان ثورة الاتصالات عبر الشبكة العنكبوتية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة كانت «قفزة في المجهول» أربكت تداعياتها الخطيرة الدول والمجتمعات، وأمسى المشهد أكثر ضبابية وانعدم الوضوح وتوارت الحقائق بعد أن زادت هذه الثورة العمياء من مساحة الجهل في عقول البشر الذين توقعوا ان تكون الزيادة في مساحات المعرفة لا الجهل.
ذلك ان سرعة انتشار الأخبار والمعلومات لم ترتبط بمصداقيتها فانتشرت المعلومات الخاطئة والمزيفة والمضللة بسرعة، الأمر الذي زاد من مساحة الجهل وأصبح الناس يعيشون في متاهة يعانون من تخمة الأوهام.
***
كان الكاتب أو الباحث في الماضي يتأكد من معلوماته بالعودة إلى مرجع واحد «كتاب» أو اثنين. أما بعد أن أصبح العالم يستقي المعلومات من الإنترنت حيث يكثر الزيف وتنتشر الخديعة صار لزاما على المرء أن يعود إلى عشرات المراجع لتنقية المعلومات الواردة إليه عبر الشاشات الإلكترونية. فالذخائر كثيرة جدا لكنها فاسدة جدا.
وما عاد الدارس الجاد يصدق الاستبانات، ولا القارئ الجاد يصدق التحليل السياسي أو الاقتصادي بعد أن أمست «كذبة أبريل» تحتل التقويم بأكمله.
وكما عانت الديموقراطية السياسية من هيمنة الديماغوجية والشعبوية تعاني ديموقراطية المعلومات والأخبار وانتشارها من طغيان الفوضى والزيف.
***
مذ تم سحب البساط من تحت أقدام الإعلام التقليدي والبشرية تركب طائرة مخطوفة لا أحد فيها يعرف وجهتها إلى أين بمن فيهم الخاطفون أنفسهم.
ذلك أن الإعلام الاجتماعي الذي وفرته ثورة الاتصالات والذي نحمله في جيوبنا ويشاركنا السرير والحمام والمكتب وصالة الطعام أمسى هو القائد الذي يصوغ الرأي العام الافتراضي، وهو إعلام مجهول المصدر وغامض الهوية، ليس كمثل صحيفة «لو فيغارو» أو قناة «فوكس نيوز» أو صحيفة «الأنباء» على سبيل المثال.
فالإعلام التقليدي يمكن رصده وتحليل مساراته بعكس الإعلام الجديد الذي يشبه الإرهاب الجديد خطير جدا وغامض جدا وبلا ملامح!
www.salahsayer.com
@salah_sayer