كلما شاهدنا مشهدا متطرفا أو حادثا إرهابيا فتحنا رشاش اللعنات على المتعصبين وأفكارهم الموتورة، وطفقنا نفتش عن الشواهد والأدلة في كتبهم وبياناتهم، وتسابقنا إلى ذكر القصص الغريبة العجيبة المتعلقة بهم وتنظيراتهم المتخاصمة مع العصر وروح المدنية الحديثة. وكأننا في ذلك السباق المحموم نسعى جاهدين إلى التغافل عن الجهة الوحيدة المسؤولة عن ظهور هؤلاء الضالين بين ظهرانينا. وأقصد «الحكومات العربية» التي أرخت العنان لهذه الأفكار وسمحت لها بالتسلل تحت ستار الدين وتناست دورها في استنهاض المجتمعات العربية وتحديثها.
***
لم ترقد المجتمعات العربية ليلا لتفاجأ في الصباح الباكر بالظلاميين وهم يجوبون مدائن العرب يمتطون صهوات خيولهم المطهمة. فلم تطلع ظاهرة التطرف فجأة بين ليلة وضحاها، ولم تظهر من قبعة الساحر مع مناديله الملونة. فنحن جميعنا شهود على الإرهاصات التي سبقت الظاهرة، كما أننا شهود على يوم مولدها وموعد رضاعتها وكيفية ترعرعها في ديار العرب تحت رعاية وتشجيع الحكومات العربية (الرشيدة) حين شهدنا ابتعاد المدرسة عن أنشطة الموسيقى واهتمامها بزيارة المقابر. وشهدنا غياب النشاط الكشفي العربي في الوقت الذي كانت الجماعات الدينية تنشط في استقطاب الشبان الذين أهملتهم المدارس. وشاهدنا المطابع تدور ومعها الرؤوس الكبيرة تدور.
***
لقد سود الكتاب العرب ورقاتهم، وصاح الصياح العرب، ومثلهم نادى المنادون في عواصم العرب بيد ان الصمت كان سيد الموقف. خطباء يتمترسون في المنابر للهجوم على خصومهم والحكومات لا تحرك ساكنا. متطرف يغمد سكين الغدر في جسد اكبر أديب عربي، ويعترف للقاضي بأنه لم يقرأ مؤلفات المغدور. شخص يطالب بعدم دفن الموتى من النساء والرجال في مقبرة واحدة!! فمن أين جاءت موجة التطرف؟ هل هبطت علينا من الفضاء الخارجي أم جلبتها لنا كائنات فضائية؟ أم انها ولدت وكبرت تحت أنظار الحكومات التي أقدم بعضها على سجن المتطرفين وإطلاق أفكارهم في المجتمع. لهذا يمكن القول ان التطرف باق ويتمدد ما لم تعترف الحكومات بخطيئتها الأولى وتبادر بإصلاح الدمار الذي تسببت به.
www.salahsayer.com
salah_sayer@