تعاني الذهنية العربية من مأزق لا مثيل له في المجتمعات الأخرى.
فالمساحة الأكبر في هذه الذهنية مشغولة بأمر كبير وثقيل لكنه رغم حجمه وثقله مخفي لا يراه احد، ويتمثل بالمسكوت عنه في الوجدان الجمعي للناس.
ذلك أن اكبر همومنا التي تشغلنا ليل نهار لا تظهر على سطح حياتنا بل هي مخبوءة في صدورنا، نتيجة عدم الوضوح أو المصارحة أو غياب الحسم وعدم مقاربة المشكلات بشجاعة وشفافية، فتبقى ترسبات المشكلة تنمو وتكبر في العقل الباطن لتعود ثانية على نحو أكثر خطورة.
> > >
شاهدت قبل أيام الفيلم اللبناني (قضية رقم 23) للمخرج زياد الدويري والذي دخل مسابقة الأوسكار لهذا العام 2018 عن الأفلام الأجنبية ولم يحالفه الحظ.
بيد ان الفيلم جيد جدا ويخوض مباشرة في المسكوت عنه، فيطرح بشجاعة لافتة قضية «الوجود الفلسطيني في لبنان» وهو الوجود الذي كان من أسباب اندلاع الحرب الأهلية والطائفية فيها.
ومن خلال هذه القضية يلامس الفيلم ثقافة الكراهية وسطوة الماضوية وغيرها من مشكلات تثقل الذهنية الجمعية للناس الذين يتركون مشكلاتهم للزمن وان تحدثوا عنها تشاغلوا بالهوامش بعيدا عن المتن وجوهر المشكلة.
> > >
لو أننا تأملنا بالمشكلات الكثيرة والعويصة في المجتمعات العربية والشرقوسطية لوجدنا قاسما مشتركا يجمعها وهو رغم خطورة المشكلة وتفجرها بين وقت وآخر، وبعضها يبلغ مرحلة الكوارث والاحتراب، تبقى المشكلة سنوات طوال دونما حلول جذرية أو مواجهة شجاعة ومعالجات صريحة.
فحالما تخفت نار المشكلة يسارع القوم إلى تجاهلها وكأنها لم تكن، وتعمل الذهنية الجمعية للناس بطريقة «إنكارية» واعتبار أن المشكلة انتهت أو ليس لها وجود بالأساس.
فتترسب بقاياها في الجانب المعتم من الوجدان.. وهناك تولد من جديد لتكبر و«تتوحشن».
www.salahsayer.com
salah_sayer@