دخلت مع أحد الأصدقاء إلى مكتب مدير مجمع سكني يؤمّن «السكن المشترك» الذي يبحث عنه الموظفون العزاب حتى يتمكنوا من ضغط مصروفاتهم الشهرية.
فانتظر صاحبي دوره بالحديث بينما كان المدير «إيراني» يطلب من موظفة الاستقبال «فلبينية» باللغة الانجليزية أن تصطحب الزبون «افريقي» إلى شقة وصف موقعها بالمميز وإطلالتها الفريدة على بركة العوم.
وحالما خرجا شرع صاحبي بالكلام. وقبل مضي عشر دقائق عاد الزبون الأفريقي مستاء لأن شركاء السكن أفارقة من نيجيريا وغينيا وذلك أمر لا يروق له رغم إعجابه بالموقع المتميز للشقة.
***
من طريقة كلام الرجل الأسود أدركت أنه عربي من السودان. فبادرته بقولي «مرحبا يا زول» فرد الرجل التحية بأجمل منها، واستطرد قائلا «إنه لا يستطيع السكن إلا مع العرب» فأوضحت له ان المدير يقسم الزبائن حسب أجناسهم.
فيوفر سكنا للهندي مع الهنود والصيني مع الصينيين والأفارقة مع بعضهم، وتلك قسمة سليمة للسكن المشترك كي لا تتعارض الثقافات والأذواق فتحدث المشكلات والشقاق، ومن الواضح ان المدير لم يدرك ان الرجل عربي حين صنفه حسب لون بشرته، وهو يحسب انه يقدم له خدمة تشجعه على التعاقد مع المكتب.
***
كان الشاب السوداني المؤدب ينطق بلسان عربي فصيح، ويورد آيات قرآنية، ويستشهد بأشعار المتنبي، ويذكر أمثلة من الصحراء. فغابت الملامح الزنجية من وجهه، وتوارت المظاهر الخارجية، وصرت اصغي إلى العربي البدوي في داخله.
فإذا كان لون بشرتنا (وهذا المقصد من المقال) أو سائر الصفات الجسمانية التي خلقنا بها لا تعبر عن حقيقتنا، فما بالنا بالمظاهر المكتسبة والتي يمكن تغييرها حسب المكان والزمان.
لهذا، ربما، قال سقراط «تكلم كي اراك» فهويتنا الحقيقية جوانية منقوشة في دواخلنا، أما الهويات الرسمية والبطاقات المدنية المطبوع عليها صورتنا فهويات مزورة، وإن صدقت.
www.salahsayer.com
@salah_sayer