من يذهب إلى «خور البيضاء» في إمارة «أم القيوين» في دولة الإمارات العربية المتحدة ويتأمل في المكان لن يرى ما يثير الاهتمام سوى بعض الكثبان الرملية المتداخلة مع الماء والمحفوفة بشجيرات القرم وفي خلف التلال القريبة توجد أحجار متبقية من مبنى اثري، أما حين تزور (متحف أم القيوين الوطني) فسوف تدهشك نوعية المعثورات الأثرية من معادن وعملات وفخاريات وزجاجيات وقلائد وخرز وأقداح عثر عليها في ذلك الموضع وتؤكد انه كان ميناء «الدور» التاريخي الذي شكل بوابة للمنطقة ومكنها من الاتصال بالعالم الخارجي فكان أحد منافذ التجارة الدولية قبل آلاف السنوات.
> > >
موقع «الدور» في إمارة أم القيوين ومثله العديد من المواضع في دولة الإمارات وعموم الضفة الغربية للخليج العربي، يؤكد أن غياب الأبنية الأثرية العتيقة لا يعني خلو المكان من الحضارة والاستيطان البشري القديم. فالمنطقة في هذا الجزء من الجزيرة العربية (الرف العربي) ولأسباب جيولوجية معروفة لا توجد فيها حجارة صلبة مقاومة للزمن ومثلما يبدو فقد تعرض موضع «الدور» في الأزمنة القديمة لعواصف ترابية طمست الميناء العظيم الذي تحول إلى «خور البيضاء» بمياهه الضحلة. وهذه نتيجة تؤكد ان احتكار الحجارة للحضارة أمر ساقط ولا معنى له في مرصد التاريخ والمؤرخين.
> > >
نتيجة لغياب هذه الحقائق التاريخية تعاني الذهنية الخليجية من وهن وارتباك أمام المشهد التاريخي العربي. فعندما تفخر المجتمعات العربية الأخرى بحجارتها القديمة يصمت الإنسان الخليجي حين يتلفت حوله فلا يجد سوى الريح تصفر فوق الرمل وثارات (رأس غليص) مع (عرب الشيخ جدعان) وحين نتفحص الأمر على نحو أعمق نعرف ان الحكومات الخليجية تسببت دون قصد بتعميق الشعور بالنقص لدى المواطن بالتركيز على (الصحراء الجرداء والغواص الأعزل) وتجاهلت النخيل والتمور والجياد الأصيلة وغفلت عن الأفلاج والمشاقيق (أنهار تحت الأرض) وتناست السفائن العظيمة والفنون والمعمار والزهور والنباتات التي كانت تغطي الصحراء معظم أوقات السنة.
www.salahsayer.com
salah_sayer@