في أحواض سمك الزينة لا تعرف الأسماك الملونة حجمها الطبيعي. فهي لا تعرف من هذا العالم الكبير والمترامي الأطراف سوى العالم الصغير الموجود داخل الحوض الزجاجي وتفاصيله المشهودة على مدار الساعة، مثل الحجارة المدقوقة والنباتات البلاستيكية وفقاعات الهواء وفتات الطعام الجاهز، حيث لا سمكات أكبر منها قادرة على مهاجمتها والتهامها. فتتوهم الأسماك الصغيرة انها كائنات عملاقة تمتلك القوة والمنعة وتجهل حقيقة البحار العظيمة حيث السمك الكبير يأكل الصغير. حسب قول الشاعر الذي يصور قسوة القوي على الضعيف بقوله (كالذئب بالغنم أو كالحوت بالبلم).
>>>
لو حدث ان أخذنا سمكة من أسماك الزينة ورميناها في البحر فترة محددة. ربما تعلمت الدرس وأدركت حقيقة الحياة وعرفت حجمها الطبيعي بعد أن تشاهد وتعايش الصخور الكبيرة والأسماك العظيمة والتيارات الخطيرة والنباتات المتنوعة، فتفهم الحقيقة الصغيرة والزائفة في حوض الزجاج. بيد ان بعض البشر لا يملكون شجاعة اسماك الزينة فهم رغم تكشف العديد من الحقائق أمامهم لا يزالون يتنافخون ويتوهمون قوة افتراضية لا وجود لها في حوض السمك حيث يعيشون بين جمهور مغيب لا يفرق بين المعارك الدائرة على جبهات القتال وبين معارك الزير سالم في الحكايات الشعبية.
>>>
ذهنية سمك الزينة الذي يتوهم انه الاكبر والأقوى والأفضل بسبب معيشته داخل الحوض وجهله بحقيقة العالم، ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في مجتمعاتنا العربية حيث نلحظ تكرار القناعات وثباتها وتماسكها رغم تعثر التجربة وفشل النظريات المتعلقة بها. ومثلما يبدو ان الناس، ونتيجة للسكونية التي يعيشونها، لديهم حقائق «افتراضية» بديلة عن حقائق الحياة تجعلهم يتمسكون بقناعاتهم. فلا تهزهم مظاهر الحياة المدنية الموجودة لدى الآخرين، ولا تدهشهم الثقافات المتقدمة ولا تبهرهم القوانين المتطورة. فالرئيس الأميركي الأسطوري دونالد ترامب الذي خفض نسبة البطالة في بلاده في فترة بسيطة وروض النمرود الكوري هو في نظر «سمك الزينة» مجرد شخص أهبل لن يستمر في الحكم!!
www.salahsayer.com
salah_sayer@