أسهمت التجربة البرلمانية الكويتية في نشر ثقافة «غريبة» لم يعهدها مجتمعنا الصغير ولم تخبرها المجتمعات الاخرى. ففي الوقت الذي تجد فيه الافراد في سائر دول العالم ينصرفون إلى شؤونهم الخاصة منهمكين في حياتهم الشخصية، نجد المواطن الكويتي مهموما «جدا» بالشأن العام. فالناس في بلادنا يتحدثون عن الإجراءات الحكومية أو نحوها من الشؤون العامة أكثر مما يتحدثون عن أمورهم الخاصة. وهناك من المواطنين من ينسى اسم حفيده أو اسم جاره ويتذكر اسم 50 شخصا هم اعضاء مجلس الأمة بالاضافة إلى أسماء الوزراء ووكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين!
***
في المجتمعات الاخرى تنعقد الندوات البرلمانية وتجري الانتخابات ويمارس الناس الاقتراع وتتنافس الاحزاب السياسية، وتمر الايام دون أن تأخذ أخبار البرلمان حيزا لافتا في الذهنية الجمعية للناس المنشغلين في حياتهم الخاصة، والمنغمسين في تدبير أمورهم، والذين يجهلون أسماء النواب او الوزراء وحتى رئيس الوزراء في بلادهم. بعكس الكويت التي يتحول فيها نواب البرلمان والوزراء إلى نجوم يتابع الناس أخبارهم وأسفارهم ومشترياتهم، وينافسون نجوم الرياضة والفن، وتطاردهم الصحافة المحلية للحصول على تصريح من أي واحد منهم في أي موضوع أو قضية!
***
صدفني في دبي وكنت اقرأ كتابا في أحد المقاهي، فغمزني بقوله: يبدو انك منهمك بقراءة الكتب ولا تتابع ما يحدث في بلدك، فكيف تكتب للصحافة؟ قلت: قراءة الكتب تسعفني لكتابة مقال مفيد ينفع القارئ، بعكس متابعة الضجيج في بلادنا الذي يخلو من المنفعة، خاصة بعد سطوة الاشاعات والاكاذيب وغياب الحقائق. فالحال، يا سيدي، في بلادنا لا يسر. وبعد ان كان البعض يتابع «أخبار الوفيات» ليقوم بواجب العزاء في الميت أصبح يتابع «أخبار المحاكم» ليقوم بواجب النميمة ونشر فضائح الأحياء. انها حالة ملوثة تجعل الناس ينسون الخير الذي بين ايديهم. فيتوجعون بلا وجع، وينوحون في الافراح والليالي الملاح.
www.salahsayer.com
salah_sayer@