والمطر الأسود ينهمر من سماء الأدخنة الناجمة عن حرائق حقول النفط التي أشعلها الغزاة قبل اندحارهم من الكويت المحررة، جاءني أحد الأصدقاء وبادرني بقوله (مبروك اخترناك وزيرا للإعلام في حكومة التحرير)! لم أسأله (من أنتم)؟ لمعرفتي بأن الإجابة ستكون (نحن المقاومة) فاكتفيت بالصمت والابتسام، امتثالا لقول الرسول الكريم (تبسمك في وجه اخيك صدقة) ففي مرحلة (ثورة الخيال) التي أعقبت التحرير كنا نسمع عن حكومات كثيرة تشكلها مقاومات مختلفة. وكان العارفون يدركون انها أخبار عبثية مصدرها التنفيس والتعويض والرغبة في لعب أدوار البطولة.
> > >
بالطبع زالت الحالة الوهمية مع زوال فترة الاحتلال والتحرير وعودة (الشرعية) ولم ير أحد أيا من هذه المقاومات المتخيلة أو الحكومات الافتراضية. وقد تذكرت هذه الحكاية وأنا أهم بالكتابة عن قدرتنا على (مزج الأخيلة مع الوقائع الحقيقية) على طريقة «دون كيشوت» في الرواية الاسبانية الشهيرة حين يقاتل (طواحين الهواء) التي يتخيلها بانها شياطين عملاقة. أو يخوض غمار معركة شرسة مع جيش جرار هو في حقيقته (قطيع أغنام). ففي مجتمعاتنا العربية لدينا (دون كيشوتات) كثر دفعت بهم الثقافة التلفيقية السائدة نحو اللجوء إلى البطولات الوهمية والفروسيات الزائفة وإقامة (الدول الدينية) الافتراضية.
> > >
(أمير المنطقة، قائد الميمنة، حماة الثغور، المرابطون، غزوة منهاتن، والي بغداد، أسود الجزيرة) وغيرها من ألقاب ومسميات تطلقها التنظيمات الجهادية لتجري على الالسن وليس لها وجود حقيقي على سطح الواقع حيث لا «ميمنة» ولا «ثغور» سوى في عقل (دون كيشوت العربي) الذي لم يزل يتوهم ان تغيير اسم الشخص إلى «أبو دجانة الموريتاني» أو «أبو حفص التركماني» يغير من حقيقته. فالذهنية العربية الرخوة تقبل مزج التهيؤات مع الواقع المعيش، فيبايع الناس خليفة المؤمنين وهو قابع في علم الغيب. وتخرج الجماهير في مظاهرات غاضبة ملبية دعوة شخص لا يعرفونه.. اسمه وائل غنيم!
www.salahsayer.com
salah_sayer@