موجة التطرف الديني التي هيمنت على مجتمعاتنا العربية بما يعرف بالصحوة لم تهبط علينا من السماء، ولم تخرج من قبعة ساحر. فالتطرف، مثله مثل الاعتدال، له في التاريخ جذور، وأعني تاريخ عموم البشر وسائر الأديان والثقافات.
وبإمكان من يرغب ان يدخل دكان التاريخ وينقل أو ينتقي من فوق رفوفه ما يشاء، حيث نجد في تاريخنا الاسلامي لكل قصة قصة اخرى تناقضها في تاريخ امتد مئات القرون طاف خلالها على الناس العديد من الحكام والمؤرخين والمشايخ الذين اختلفت مشاربهم وأهواؤهم وفتاواهم كما اختلفت الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة في كل مرحلة من مراحل ذلك التاريخ.
> > >
غير ان الأمر الذي لا يتناطح عليه جديان هو ان صورتنا قبل الصحوة لم تكن مثلما هي عليه اليوم، وذلك ليس بالسر الغامض المدفون تحت الأرض بل حقيقة واضحة ترصدها العيون وتدركها العقول وثابتة بالشواهد والأدلة.
فالمجتمعات العربية المتفتحة المسالمة الهادئة التي تغمرها ثقافة التسامح وقبول الآخر، والتي يتطلع أفرادها إلى المستقبل ومواكبة الأمم المتحضرة تحولت في سرعة لافتة إلى مجتمعات ملفعة بالماضوية بتشجيع من الحكومات العربية. فعرفنا «المنشد» بدلا من المطرب وعرفنا «بنوك المرابحة» و«دعاة الفضائيات» وكثر الكلام عن الأمس على حساب الغد.
> > >
لماذا حدثت تلك العودة إلى الماضي؟ الإجابة عن هذا السؤال الضروري تستدعي النظر مليا إلى الوراء، وتحديدا إلى الفترة ما بين مطلع السبعينيات وخاتمتها، حيث نلحظ تزايد النفوذ السوفييتي في أفغانستان (فترة محمد داوود خان 1973 وما بعدها) الأمر الذي أوجد حاجة لبناء حائط إيراني (اصولي) لصد التمدد الشيوعي.
فشهدت المنطقة عام 1979 ظهور حركة خميني (الثورة الايرانية) التي وصفها محمد حسنين هيكل وقتها بقوله انها «رصاصة انطلقت من القرن السابع لتستقر في قلب القرن العشرين» وبعد ان كانت الجغرافيا ميدان المواجهة مع ايران الشاهنشاهية فإن المنازلة مع إيران الخمينية تكون في مضمار التاريخ. وهكذا كان.
www.salahsayer.com
salah_sayer@