مثلما غمر الطوفان الأرض غمرت الأوهام والأخيلة عوالمنا ردحا من الزمن بدأت مع طلوع (القومجية) وبزوغ شموسها المعتمة حين تمازج التاريخ بالشعر والتأليف، وتداخلت الاكاذيب مع الحقائق، وتوهمنا اننا متقدمون في العلوم والتعليم والفنون والصناعة، وتنافخنا على الآخرين كالطواويس غطرسة وتيها، وحسِبْنا ان الشمس تشرق لأجلنا، والأقمار تسطع لسواد عيوننا.
وتغنينا بأمجاد سحيقة تفصلنا عنها قرون كان معظم الناس في هذه المنطقة يرزحون تحت حكم العثامنة الاتراك، بلا مجد تليد أو حاضر وليد.
****
كبرنا فادركنا ان العديد من السدود في العالم أكبر وأعلى بكثير من (السد العالي) وعرفنا ان أجمل الحان الرحابنة مسروقة من موسيقات عالمية، وان صواريخ (القاهر والظافر) نكتة رخيصة، وان العرب قبل (سايكس بيكو) كانوا يعيشون في كيانات إدارية أصغر بكثير من الدول (السايكوبيكوية) وان المذيع الراحل احمد سعيد يشبهنا وينطق بلساننا، وان مجتمعاتنا الرخوة يمكن تحريكها ودفعها مثل الحيتان إلى شطآن الموت، واننا نشكل سوقا رائجة للخرافات، واي مغامر قومجي او اسلاموي يمكنه بناء أمجاده التاعسة فوق اكتافنا المتعبة.
****
عوضا عن مواجهة الحقائق ومنازلة المعوقات، وبدلا من التصدي للمشكلات في الواقع المعيش راح الجميع في سائر المجتمعات العربية يلهث وراء الأهداف الافتراضية، تارة في الأوهام القومجية والبعثية وتارة في دولة الخلافة المنتظرة. نخبط في العتمة مثل حاطب ليل، نكتب ونؤلف ونحاضر ونقرأ ونشاهد ونصغي للمحاضرات واللقاءات التلفزيونية والخطب الطوال عن امور افتراضية لا علاقة لها في حياتنا. نغني ليل نهار أغنية (وطني الأكبر) ولم نفرغ بعد من بناء (وطني الأصغر).
www.salahsayer.com
salah_sayer@