أكثر العرب في مجتمعاتهم يعتقدون ويؤمنون بأن «الدول الخليجية وليدة البترول» ولذلك يكثر لدى مثقفيهم استعمال عبارة «مشيخات النفط»، وذلك جهل مدقع في أحوال المنطقة وتاريخها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يقول ويؤكد ان للخليج تاريخا عريقا مجيدا وقت كانت المجتمعات العربية الأخرى ترزح تحت حكم العثامنة الأتراك. فقد كان الناس وقادتهم في الخليج يتفاوضون مع الدول العظمى، ويوقعون الاتفاقيات السياسية، ويعقدون الصفقات التجارية، ويقدمون المساعدات العسكرية، ويجلبون السلع من الأسواق القصية، ويكافحون ببنادقهم الرثة مدفعيات الاستعمار الأوروبي وهي تدك شطآن العرب.
***
بيد ان المحزن في قضية (التاريخ في الخليج) واستمرار بقائه في العتمة، جهلنا نحن أبناء الخليج بهذا التاريخ الماجد، وتسابق دولنا على إبراز تاريخ المجتمعات العربية الأخرى. خاصة حين تتكالب التلفزات الخليجية على شراء أعمال تلفزيونية تتحدث عن تاريخ المجتمعات العربية أيام العثامنة الأتراك أو نحو ذلك. ليعرف الناس (سفر برلك) و(ليالي الحلمية) ويجهلون آلاف القصص والحكايات والأحداث التي تصلح لتشكل دراما تاريخية خليجية حقيقية، تتجاوز قصص الصحراء وثارات (راس غليص) غير انه لا يبدو ان في الأفق بارقة أمل تلوح.
***
لو لم نصدق مقولات ساقطة وساذجة، وليس لها أساس سوى الخيال المريض مثل مقولة (مشيخات النفط) لما راجت بيننا مثل هذه الأراجيف، ولا ضعفت ثقتنا بذاتنا وتراكضنا إلى تاريخ الآخرين كمثل المقطوعين من شجرة. فنحن الضحية التي تسن السكين لحز عنقها. وبعضنا يصدق ويصف مدننا الجميلة بانها (مدن الملح) وبعضنا الآخر يخجل من مواردنا الطبيعية المتمثلة في البترول (!) في حين يفخر الآخرون ويتغنون ويحتفلون بمواردهم المائية والزراعية مثل شجرة الأرز والأنهار والزيتون والقطن.. أشير إلى هذه الخفة الخليجية والاستخفاف بالذات مع شديد محبتي واحترامي للمجتمعات العربية الأخرى.
www.salahsayer.com
salah_sayer@