تطرقت في المقال السابق إلى أن العنصرية الجديدة في الولايات المتحدة باتت موجهة ضد الإسلام وذكرت أن العنصرية ليست بأمر جديد في أميركا فعلى مر القرون الماضية تعرض الأميركيون الأصليون واليهود والمسيحيون الكاثولوكيون والمسيحيون المورمنيون والمهاجرون من الصين والأميركيون من أصل أفريقي إلى أنواع مختلفة من العنصرية والكراهية بسبب ديانتهم أو عرقهم أو لون بشرتهم. لكن لا يعني هذا أبدا أن الشعب الأميركي شعب عنصري بطبعه بل إن عظمة هذه الدولة تكمن في تخطي شعبها لهذه الأمور الكريهة وتركيزهم على حب بلدهم وتفانيهم في العمل لتطويره. وهنا تتجلى خطورة التوجه الجديد من قبل بعض المسؤولين الجمهوريين وبعض الناشطين سياسيا إلى خلق عنصرية جديدة ضد الإسلام، فالولايات المتحدة هي الدولة الرائدة في مجال الحرية، فكيف بات من المقبول اجتماعيا وسياسيا بأن يتم معاملة الأميركيين المسلمين بهذه الطريقة؟
ينص القانون الأول من وثيقة الحقوق التي طبقت في عام 1791 ـ والتي تعتبر مكملة للدستور الأميركي ـ على الدعم الكامل لأي ديانة لممارسة طقوسها وشعائرها من دون تدخل الحكومة. لذا فإن من حق المسلمين في أميركا بناء مسجد لهم في شتى مدن الولايات المتحدة وإذا قرروا أن يكون البناء قريبا من بقايا مركز التجارة العالمي فهذا هو حقهم الكامل، فلا علاقة للمسلمين الأميركيين بأي إرهابي وإن ادعى الإسلام.
وللعلم فإن ما يعرف بمسجد نيويورك ليس مسجدا على الإطلاق بل هو مركز اجتماعي يحتوي على ملاعب رياضية ومدرسة لتعليم الطبخ وغيرها من الأمور الاجتماعية كما يضم المخطط 13 طابقا وسيخصص طابقان فقط للعبادة كما سيتم توفير أماكن مخصصة للمسيحيين واليهود للتعبد، فمن يدعي بأن المركز سيكون مرتعا للإرهابيين؟ وهذا الادعاء للأسف نجده حتى في الكويت، هو ادعاء خاطئ.
وحتى لو كان المبنى المقترح مسجدا بالمعنى التقليدي فهناك أكثر من ألف مركز إسلامي في أميركا بل هناك أكثر من 100 مسجد في مانهاتن نيويورك وحدها، فهل سيكون فقط هذا المركز منبعا للإرهاب أم أن المعارضين لبنائه سيطالبون بإغلاق باقي المساجد حول نيويورك وأميركا بل وحول العالم؟ ثم إن ربط مليار ونصف مسلم بحفنة قليلة من الإرهابيين لا يتجاوز عددهم حسب إحصائيات الحكومة الأميركية 500 مقاتل في أفغانستان هو خطأ فادح يدل على جهل أصحاب هذا الإدعاء. والغريب في الأمر أن هناك مسجدا ـ وليس مركزا اجتماعيا ـ يقع بجانب مركز التجارة العالمي وموجود منذ عام 1970 قبل بناء مركز التجارة بشهور وتقام فيه الصلاة والإفطار الجماعي في رمضان وباقي الشعائر الإسلامية من دون وجود أي ضجة إعلامية حوله ولا يطالب أحد بإغلاقه.
ما سبق يوضح لنا أن الضجة الإعلامية التي تصاحب بناء ما يلقب بمسجد نيويورك هي ضجة إعلامية هدفها انتخابي بحت. ففي نوفمبر المقبل تشهد الولايات المتحدة انتخابات مهمة لتحديد قرابة ثلث مقاعد مجلس الشيوخ الأميركي مما يهدد الديموقراطيين والرئيس أوباما بخسارة الأغلبية في الكونغرس وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تعطيل مشاريع الرئيس أوباما المستقبلية.
[email protected]