«بعد شوي» مسلسل كذا وكذا. عبارة تكررت في شهر رمضان على شاشة إحدى القنوات الكويتية، تقرير إخباري عاجل لقناة كويتية يبث باللغة الفصحى ممزوجا بألفاظ عامية، هل تساءلت يوما لماذا يتم استخدام لهجتنا بهذه الطريقة؟ هل المقصد تصدير لهجتنا للخارج أم أن الأمر بكل بساطة هو رداءة المستوى اللغوي لدى بعض العاملين في المجال الإعلامي، هل سبق وشاهدت تحليلا إعلاميا لقناة عربية محترفة مثل الجزيرة والعربية؟ قد تختلف مع وجهة نظرهم ولكنك لن تختلف مع أسلوبهم في الخطابة واستعمالهم الصحيح للكلمات وتفاديهم للأخطاء النحوية، ثم ارجع وقارن وضعنا الحالي. أتذكر تلفزيون الكويت بمذيعيه المخضرمين حين كان التشكيل لكل كلمة تقال هو المبدأ الأساسي، أما الآن فالسكون وعدم التشكيل على أواخر الحروف هو الأساس، وما يشكل إما أن يكون صدفة أو أن يكون خطأ من الناحية النحوية، بنظري هذا التدني في المستوى اللغوي في وسائل الإعلام هو انعكاس لتدني المستوى اللغوي لعامة الشعب والذي بدوره ينتقل لأطفالنا.
ولهذا الانخفاض في المستوى اللغوي والنحوي أسباب كثيرة منها هجر القرآن الكريم، فعندما كان الشخص فينا يفخر بأن أبناءه يحفظون كذا وكذا من القرآن، أصبحنا نتفاخر بأن أبناءنا يتكلمون 3 لغات بطلاقة من دون أن تكون اللغة العربية من ضمنهم، عندما كان الصغار يتعلمون تجويد القرآن في المساجد ما بعد صلاة العصر، أصبحوا الآن خبراء في الـ «بلاي ستيشن» والإنترنت، قد تجادلني بأن تعلّم وسائل التكنولوجيا أمر مهم، ولن أعارضك، بل سأدعك تخدع نفسك بأن طفلك الذي يقضي 5 ساعات يوميا على الـ «بلاي ستيشن» هو إنسان مثقف ومطلع، وما يفعله في ألعاب الفيديو من قتل لوحوش ومصاصي الدماء أو مطاردات السيارات السريعة سيفيده في دراسته الجامعية، هذا إن كنت فعلا تؤمن بما تقوله.
ومن أسباب تردي المستوى اللغوي هجرة الكتب والقراءة فمن قال «أمة اقرأ باتت لا تقرأ» أصاب، للأسف، كبد الصواب. فالمكتبات العامة خاوية بينما تشتكي المراكز التجارية من الازدحام، حتى المكتبات الشخصية في البيوت التي كانت في السابق أمرا أساسيا، اختفت الآن أو استبدلت بمكتبة للأفلام والأغاني الأجنبية. وفي أفضل الحالات تجد بعض المكتبات المنزلية ولكنها موجودة فقط للمظاهر الاجتماعية وحتى لو وجدت الكتب فأين القراء؟ لن أتكلم على دور المدارس والحكومة والنواب، فهذه الجهات ليست هي من تنمي ثقافتنا بل ما نفعله وخصوصا في بداية عمرنا، وبعد فترة الدوام المدرسي حتى فترة النوم، هو ما يطورنا عن غيرنا. فالمدرسة تؤهل العديد لبدء الدراسة الجامعية للحصول على وظيفة ولكن مطالعة الكتب في وقت فراغك هي ما تؤهلك لتكون مميزا من بين زملائك في مختلف المجالات فمن يقرأ في مجال التاريخ والقصص والشعر والأدب والسياسة والاقتصاد ليس كمن لا يقرأ.
الحل لتردي المستوى اللغوي والنحوي لأبنائنا هو كالحل لأي مشكلة اجتماعية أو تربوية، الحل في النشء. أكرر ما ذكرته بأن الحل ليس في المدارس، إنما في البيوت. اقرأوا لأبنائكم منذ صغرهم، وفَّروا لهم مكتبة صغيرة في البيت لمطالعة الكتب والروايات لتشجيعهم على القراءة، فمازلت أذكر أول رواية مطولة قرأتها والتي كانت عن قصة «سيف بن ذي يزن» ولم أتجاوز العاشرة وقتها. حثوا أبناءكم على قراءة وحفظ القرآن عوضا عن حفظ القصائد الغزلية البالية وتأكدوا أن نتائج جهودكم ستعود بالفائدة على أبنائكم على نواح عدة وأهمها التوفيق في الحياة العلمية والعملية، فلم أسمع قط عن مدمن مخدرات أو شاب فاشل دراسيا نشأ على حب قراءة الكتب منذ صغره، والله ولي التوفيق.
[email protected]