«قالت مصادر في الداخلية».. «ونقلت مصادر أمنية».. «وأكد مصدر أمني رفيع».. هذه مقتطفات من تغطية الصحف الكويتية لخبر وفاة مواطن كويتي بالتعذيب، ولن أتطرق لما حصل لأنني وبكل صراحة أجهل ما حصل ولا أفتي بما لا أعلم، ولكن ما أود التطرق إليه هو تعامل وزارة الداخلية مع الحدث.
فلنقارن الحادث أولا بحدث آخر في أميركا حيث حاول مواطن في ولاية أريزونا قتل أحد أعضاء الكونغرس أثناء ندوة حيث أطلق النار على العضو ثم الجمهور فكانت المحصلة سقوط قتلى وجرحى بمن فيهم العضو، وخلال ساعات قليلة بدأت الأخبار تتضح، فأعلنت السلطات الأميركية أنه تم اعتقال مطلق النار وتقييده من قبل بعض الحضور والأمن، ثم تم إعلان احتمال وجود متهم آخر، وتم إلقاء القبض عليه ليكتشف فيما بعد أنه مجرد سائق تاكسي قام بإيصال المتهم إلى الندوة. كما تم عقد مؤتمرات صحافية شارك فيها فريق طبي لمتابعة آخر المستجدات على حالة العضو الصحية. وبعد أن تأكدت السلطات من أن المتهم نفذ الجريمة وحده ولا يوجد شريك له، أعلنت عن اسمه ونشرت صورته، وبدورها بدأت القنوات الفضائية مرحلة التحقيق في تاريخه إن كان سياسيا وهل الهدف من جريمته اغتيال العضو؟ أم أنه مريض نفسي ارتكب جريمة من دون مبررات، ورغم أنني لا أسكن الولاية إلا أنني كباقي الأميركيين تابعت الحدث عبر التلفاز وكانت تساؤلاتي تجد الاجابة من قبل المسؤولين عاجلا أم آجلا، فبالرغم من فظاعة الجريمة إلا أن التعامل الشفاف للسلطات معها يجعلك مطمئنا أن جميع الاحتياطات ستتخذ لكي لا تتكرر المأساة، ولنقارن الوضع بما يجري في الكويت فللأسف لا يتم التعامل بنفس هذه الشفافية.
كباقي الشعب سمعت عن وفاة المواطن بالتعذيب عن طريق الرسائل والمواقع الإلكترونية ثم قرأتها في الصحف في اليوم التالي. وعوضا عن أن تتضح الأحداث تلقائيا، باتت وكأنها تتعقد، فتارة يشاع بأنه نقل ميتا من المخفر ثم يذكر أن المواطن توفي في المستشفى. وبينما صرح النواب مثل حسين مزيد ووليد الطبطبائي والوعلان والمويزري والبراك والصواغ وجوهر وغيرهم حول الموضوع، لم نسمع من وزارة الداخلية إلا بيانا غير مسنوب لأي من قياديها قبل ان تعلن امس رسميا وجود شبهة جنائية.
وما زاد الطين بلة ما ذكرته في بداية المقال من تصاريح لمصادر لا نعلم من هي، فهل تلومون الشعب لأنه يستمع للنواب ويصدقهم أكثر مما يستمع لحكومته؟! فنحن نعرف هؤلاء النواب، ولكننا لا نعلم من هي هذه المصادر الرفيعة ولا نعلم من أصدر بيان الداخلية، فقد يظن البعض أن من حقق مع المواطن هو المصدر أو كاتب البيان، فكيف يكون الخصم والحكم واحدا؟ كيف لنا بمعرفة ما جرى ونحن لا نشاهد مسؤولا واحدا يخرج ويعقد مؤتمرا صحافيا يجيب عن أسئلتنا؟ كيف لنا بمعرفة ماذا حدث ولم نشاهد فريقا طبيا بل ولا طبيبا واحدا يشارك في المؤتمر؟ اختفاء المسؤولين يدفع بالشعب بالاتجاه إلى الصحف الإلكترونية والمدونات و«التويتر» لمعرفة ماذا جرى رغم أن ما يذكر هناك قد يكون مجرد شائعات أو تخمينات، وهو أمر لا يصب في مصلحة الوزارة.
اما البيان الاول للداخلية الذي نشر في بعض الصحف فكان «غريبا»، حيث بدا لي أن غرضه الأساسي تشويه صورة القتيل. فقد احتوى على قائمة جرائم منسوبة للمواطن مع ذكر أنه «شعر بآلام في صدره»، فما علاقة الجرائم بآلام الصدر؟ وهل إذا توفي شخص في مخفر لوجود آلام في صدره ستقومون بطباعة تاريخه والبحث عن نقاط سوداء في حياته لتنشروها على الملأ؟ ما علاقة جرائم المواطن، إن صحت، بأسباب وفاته؟ أنا لا أتهم أحدا بنفس مقدار عدم اتهامي لأحد في جريمة أريزونا من محاولة قتل عضو الكونغرس، فلست طرفا في أي من الحادثتين، ولكن الفرق بينهما أنه وخلال أقل من 12 ساعة تم توضيح ملابسات جريمة أريزونا بينما ظلت حادثة وفاة المواطن مبهمة فتم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، واخيرا.. كشفت الداخلية عن وجود شبهة، ثم اعلن عن استقالة وزير الداخلية.. والله ولي التوفيق.
[email protected]