عندما أشاهد ردة فعل الحكومات الأجنبية حول أحداث مصر، لا أهتم بشدة لأنني أعلم أنها دول تبحث عن مصالحها السياسية والاقتصادية بعيدا عن مصالح الشعب المصري، رغم أن أغلبها أيدت الثورة. وعندما أشاهد ردة فعل ـ أو عدم ردة فعل ـ بعض الحكومات العربية، لا أهتم لأنني متيقن من أنهم متخوفون من انتقال شرارة الثورة إلى بلادهم. ولكنني أستغرب من ردة فعل بعض الكويتيين على ما يجري في «ميدان التحرير»، فلا أظن أن هناك كويتيا واحدا لا يعرف وضع الشعب المصري وكيف يعيش في حالة من الفقر والبطالة والمرض، بينما تطالعنا الصحف العالمية يوميا بالثروة الخيالية للرئيس مبارك وعائلته والتي تعدت حسب بعض التقارير 70 مليار دولار. ولا أظن أن هناك كويتيا واحدا لا يعرف مصريا مقيما في الكويت هاجر من بلده بحثا عن لقمة العيش، أفلا تجالسونهم وتحادثونهم وتتطلعون على حالهم وحال باقي الشعب المصري؟ ولن أتطرق إلى ما برره البعض من أننا كشعب يجب أن نساند مبارك ردا للجميل على موقفه أثناء الاحتلال فهذا تبرير مخجل فنحن نقف مع حق 80 مليون مصري لاختيار قادته بشكل ديموقراطي وعادل مقتدين بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه».
وبظني أن الدافع الرئيسي لانتقاد البعض هذه الثورة هو تخوفهم ممن سيقود مصر في المرحلة المقبلة وخصوصا الإخوان المسلمين، ورغم أن هذا التخوف منطقي إلا أنه مبالغ فيه، فجماعة «الإخوان المسلمين» لا يحظون بأغلبية ساحقة في مصر، وسبب ظهورهم المستمر على الساحة في السنوات السابقة هو أن النظام الحالي اتخذهم وسيلة لتخويف الغرب للتغاضي عن أساليب الحكم غير الديموقراطية التي قام بها على مدى القرون الماضية. نعم أنا لا أتفق فكريا وعمليا مع كل ما يقدمه «الإخوان المسلمون» ولكن من أنا لأحرم المصريين من حق اختيار من يمثلهم؟ فهذه المظاهرات تطالب بإجراء انتخابات عادلة، ولو أقيمت هذه الانتخابات ونجح «الإخوان المسلمون»، رغم أن هذا الأمر مستبعد منطقيا لأنهم ليسوا أغلبية ومستبعد عمليا لأنهم أعلنوا عدم نيتهم خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن وإن نجحوا فهذه هي الديموقراطية ولا حق لي ككويتي أن أقف في وجهة إرادة الشعب المصري. هذه رسالة أوجهها للبعض: اتقوا الله في شعب مصر ولا تبحثوا عن مبررات وهمية كي لا تقفوا مع الثورة، وتذكروا كيف كنا أثناء الاحتلال، وكيف كنا نصدم من ردة فعل بعض العرب تجاه المصيبة التي حلت ببلدنا الطيب. وبالحديث عن ردة الفعل تجاه ثورة مصر، ساءني بشدة ما قاله المفتي العام للمملكة السعودية ان هذه الاحتجاجات مؤامرة من أعداء الإسلام لنشر الفوضى، فليس من حق سماحة الشيخ أن يصدر مثل هذه الاتهامات، فأين أدلته بأن هناك مؤامرة ومن هي الأطراف المشاركة وكيف قاموا بالتواصل مع الملايين من الشعب المصري؟ فلو أفتى الشيخ بوجوب طاعة ولي الأمر والصبر على أذاه مستندا الى أدلة شرعية وأقوال علماء سبقوه، لما ساءني الأمر كونها فتوى شرعية مبنية على رأيه العلمي الذي نحترمه سواء اختلفنا أو اتفقنا معه، أما أن يصدر سماحة الشيخ رأيا سياسيا واتهاما بهذه الخطورة هو أمر نرفضه ما لم يقدم لنا أدلة تدعم حجته، وهذا القول يذكرني بمن قال إن تدخل أميركا والغرب لتحرير الكويت هي مؤامرة خارجية لتفكيك الأمة العربية، فهل كان علينا كشعب أن نرضى بحكم الطاغية صدام لنحمي أمة هي بالأصل مفككة منذ قرون طويلة. والله ولي التوفيق.
[email protected]