من يستمع إلى تصريحات الساسة الأميركيين حول تعنت اسرائيل ورفضها التقيد بمطالب البيت الأبيض وقف عملية الاستيطان في الأراضي المحتلة يجد انها مطاطة ولا تتناسب مع مسلكي العصيان والتحدي اللذين تنتهجهما اسرائيل مع حليفتها الكبرى وصاحبة الفضل عليها لكنها مع ذلك صريحة وواضحة في التأكيد على أمر واحد هو متانة العلاقة التي تربط بين اسرائيل والولايات المتحدة والتزام الأخيرة بأمنها كما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس من أن (الخلاف بين أميركا وإسرائيل حول خطط الاستيطان اليهودي لا تغير التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل) رغم أن الموضوع يتعلق بخرق اسرائيل لشروط عملية السلام وليس له اي علاقة بأمنها، هذه التصريحات التي تتفادى البوح بخطورة السياسة الإسرائيلية على المصالح الأميركية في المنطقة العربية والإسلامية يقابلها موقف اكثر صراحة ووضوحا باح به عسكري هو الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الاميركية الوسطى أمام لجنة استماع في مجلس الشيوخ حيث قال: ان التوترات بين اسرائيل والفلسطينيين تمثل تحديات واضحة لقدرتنا على الدفاع عن مصالحنا في المنطقة، وأن النزاع يزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة بسبب فكرة محاباة الولايات المتحدة لإسرائيل، وأن الغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكات الاميركية مع الحكومات والشعوب في المنطقة ويضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي، كما أفاد بأن تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المسلحة تسعى الى استغلال الغضب العربي، وأن النزاع يعطي ايران نفوذا في العالم العربي من خلال حماس وحزب الله في لبنان، يبدو الجنرال بترايوس من خلال تصريحاته الجريئة انه أكثر حرصا على المصالح الأميركية من ساسته فهو يشعر بأن محاباة بلاده لإسرائيل لن تساعد قواته في تحقيق اهدافها العسكرية في مناطق الصراع مع القاعدة وطالبان في أفغانستان وباكستان والعراق ويجعل مهامها اكثر صعوبة وهو استنتاج دقيق من شخصية عسكرية ترى الأمور أكثر وضوحا على أرض الواقع من ساسة قابعين بعيدا عنها وتحكمهم جماعات اللوبي الصهيوني صانعة القرار في واشنطن، يذكرني الجنرال بترايوس بالرئيس الأميركي السابق والقائد الأعلى لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية دوايت ايزنهاور الذي اجبر قوات كل من بريطانيا وفرنسا واسرائيل على الانسحاب من السويس بعد عدوانهم الثلاثي على مصر عام 1956 لأن احتلالهم لها يعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر.