استمعت الى حلقة حوار في إذاعة «بي.بي.سي» الناطقة باللغة الإنجليزية وكان موضوعها يدور حول إقرار البرلمان البلجيكي قانون منع النقاب في الأماكن العامة ومعاقبة كل من تثبت مخالفته لذلك القانون، شارك في الحوار رجال ونساء من شتى بقاع المعمورة من الولايات المتحدة الأميركية واوروبا وآسيا وأفريقيا.
وكان الحوار ممتعا ومثريا في آن واحد حتى ان الوقت المحدد للحوار مرّ بسرعة دون ان أشعر به.
ومع ما تميز به الحوار من سخونة فقد لفت انتباهي الانقسام الشديد بين المتحاورين حول مسألة منع النقاب بين مؤيد ورافض، فبينما ترى طائفة ان النقاب يتنافى مع القيم الحضارية للمجتمع البلجيكي ويجب منعه ترى طائفة اخرى ان لبس النقاب يدخل في إطار الحرية الشخصية التي هي أهم قيمة حضارية حققها المجتمع الأوروبي الحديث وليس من حق الدولة ان تتدخل فيها وتملي على الناس ما تشاء أو تريد من زي، ويبدو ان الرأي الثاني كان أقوى الرأيين واكثر قبولا ومنطقية لأنه كان يركز على الدفاع عن قضية الحرية الشخصية وهي قضية مقدسة لدى الفرد الغربي الذي يأبى المساس بها او التنازل عنها مما جعل الرأي الأول يبدو ضعيفا ومتذبذبا لأنه لم يولها الاهتمام اللائق بها، كما لو انه يقف موقف المعارض لها.
ومع وجود أقلية مسلمة تقدر بأقل من نصف مليون مسلم وعدد قليل جدا من المسلمات لايتجاوزن بضع درازن يلبسن النقاب مقارنة مع عدد السكان البالغ 10 ملايين فإن قرار البرلمان البلجيكي لا يعدو كونه مبالغا فيه ولا يتناسب مع حجم قضية النقاب المثارة ويدخل في إطار حملة التضييق على الأقلية المسلمة ليس إلا، وتحاول السلطة الفرنسية ان تحذو حذو بلجيكا إلا ان الجهة الاستشارية العليا فيها ترى ان منع لبس النقاب في الأماكن العامة يعد مخالفة صريحة للدستور الفرنسي، فهل يتحول النقاب الى قضية جدلية تعيد النظر في مفهوم الحرية الشخصية في أوروبا؟