توفي البروفيسور نجم الدين أربكان بعد عمر مديد قضاه في خدمة العلم وفي الكفاح من أجل استرجاع هوية تركيا الاسلامية. كان شعلة من النشاط لا يعرف الكلل أو الملل حتى أواخر أيام حياته. أثبت جدارته كمهندس محترف جمع بين النظرية والتطبيق حيث ساهم في رفع كفاءة الدبابات الألمانية وحاز إعجاب الألمان. آثر العودة لخدمة بلده تركيا على البقاء في المانيا رغم كل المغريات المادية التي قدمها له الألمان تقديرا لإبداعه الهندسي.
لم يكتف بنيل لقب الأستاذية في عمله الأكاديمي بعد عودته إلى بلاده بل ساهم بخبرته الهندسية في بناء خط إنتاج محركات الديزل الذي أصبح مفخرة للصناعة التركية. ومن أجل تحقيق المزيد من تطلعاته في خدمة بلده وتعزيز مكانته الاسلامية فقد انخرط في العمل السياسي غير عابئ بالألغام العلمانية التي كانت تعترض طريقه بل إنه حقق مكاسب سياسية كبيرة واحتل مكانة مرموقة كزعيم سياسي إسلامي محنك يشار إليه بالبنان.
وكان صاحب قرار نافذ استطاع في إنابته لرئاسة الوزراء أن يقنع السلطة بإرسال وحدات من الجيش التركي الى قبرص لحماية القبارصة الاتراك بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها الأسقف مكاريوس الذي فر بعدها الى لندن وقد شاهدته هناك وهو يعتلي احدى شرفات الفنادق ملوحا بيده الى الجماهير التي تجمعت لمشاهدته.
كما كان خصما لدودا للنفوذ الصهيوني في تركيا ومتعاطفا مع قضية فلسطين التي يعتبرها أرضا تخص جميع المسلمين، ومؤمنا بأن من مصلحة تركيا الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي بعد سنين العزلة التي فرضها الجيش العلماني على تركيا.
لم تثن عزمه عن المضي في عمله السياسي كزعيم إسلامي انقلابات جنرالات الجيش التركي ولا أحكام القضاء الصادرة في حقه بالسجن أو حرمانه من ممارسة السياسة وكان في كل مرة يخرج من السجن يعود الى العمل السياسي بحزب جديد وبروح عالية وهمة أعلى حتى كبر في أعين أبناء شعبه وأعين الكثيرين ممن تابع سيرته السياسية. ترك أربكان مدرسة خرّجت كوكبة من القيادات الشبابية الرائدة في العمل السياسي والتخطيط الاقتصادي وصلت الى أعلى مراتب السلطة في تركيا من أمثال الرئيس الحالي عبدالله غول ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان من حزب العدالة والتنمية الذي حقق نموا اقتصاديا واسعا ونجح في تقليص نفوذ الجيش ليحظى بدعم الغالبية من الشعب التركي.
رحم الله نجم الدين أربكان سليل السلاجقة المعروفين بولائهم للاسلام ودفاعهم عن بلاد المسلمين، لقد كان عظيما لم ينكر أفضاله حتى ألد اعدائه من العلمانيين والقوميين الذين سارعوا الى المشاركة في تشييع جنازته المهيبة وهي تُحمل من مسجد الفاتح.