للزعيم القذافي تصريحات ومواقف كثيرة يتفق الكثيرون على أنها شاذة وتتجاوز حدود المعقول أو القواعد المتعارف عليها بين الدول منذ توليه السلطة وحتى انتفاضة شعبه عليه التي توشك أن تطيح به، فعندما يصف القذافي شعبه الثائر عليه بأنهم «جرذان» و«مقملون» ـ نسبة إلى القمل ـ وانه سيلاحقهم ويقتلهم بلا رحمة بعد 40 سنة في السلطة وهو يفعل ذلك الآن باستخدام السلاح الثقيل والقصف الجوي فلابد انه قد بلغ مرحلة متقدمة من مرض جنون العظمة «بارانويا»، حيث بدت أعراضه عليه واضحة في إحساسه بالفوقية واعتبار معارضيه مخلوقات دونية لا تستحق الحياة، مع ان من الحكمة ان يتجنب الحاكم وصف شعبه بأوصاف غير لائقة عندما تسوء العلاقة بينهما حتى لا يقطع شعرة معاوية معهم.
وتعود بدايات هذا العرض الى كتابه الأخضر الذي ألفه في 1975 واعتبره مقدسا وتحدث فيه عن نظريته الثالثة في السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية، متوهما انه إنتاج فكري يقدم خدمة جليلة للبشرية بينما كتابه لا يعدو ان يكون مجموعة خواطر ليس لها أي قيمة علمية أو ثقافية أو أدبية ومع ذلك راح يبشر بنظريته الثالثة كمنافس قوي للرأسمالية والشيوعية وربما اعتبر نفسه في مصاف عالم الاقتصاد آدم سميث أو أبوي الشيوعية كارل ماركس، وقد سارع الى تطبيق خواطره على أرض الواقع فقضى على المؤسسات الرسمية للدولة الليبية تحت مسمى ما يعرف باللجان الشعبية.
ومن تجليات سلوكياته المرضية تسببه في حادث لوكيربي المروّع الذي أدخله في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، حيث فرض مجلس الأمن حظرا جويا وعقوبات اقتصادية على ليبيا حتى رضخ لدفع عدة مليارات من الدولارات كتعويض عن ضحايا الحادث مقابل رفع العقوبات.
وقد حاول القذافي الخروج من شعوره بالعزلة بالتقارب مع الزعماء الأفارقة وأقام تجمعا أفريقيا أسماه الولايات المتحدة الأفريقية وأطلق على نفسه لقب ملك ملوك أفريقيا! وكانت آخر تصريحاته الخالية من أي منطق ان انهيار نظامه سيهدد سلامة أوروبا وإسرائيل مع انه كان يحذر من قدوم الاستعمار واستيلائه على النفط الليبي!
عندما أستحضر تصرفات القذافي المعيبة التي لم تجلب إلا المعاناة للشعب الليبي أتذكر سيرة الحاكم بأمر الله الفاطمي أحد خلفاء الدولة الفاطمية الذي اتصف حكمه لمصر بالانتقام والبطش وكان متقلب الأهواء وفاقد الاتزان والرشد وجل أعماله كانت خالية من الحكمة ـ مع انه أنشأ دار الحكمة ـ وبلغ به جنون العظمة ان ادعى الإلوهية لنفسه فكان ذلك إيذانا بنهايته على يد أخته «ست الملك» من أجل إنقاذ الدولة قبل ان تنهار تحت سلطته، ليبيا اليوم في أمس الحاجة الى تدخل المجتمع الدولي قبل ان تكون ضحية مرض «بارانويا» الزعيم.