سلطان الخلف
عن خلق الكون يشير القرآن الكريم كتاب الله المعجز في سورة الأنبياء آية 30 الى قوله تعالى: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون).
جاء في تفسير الآية ان السماوات والأرض كانتا متصلتين بعضهما ببعض في كتلة واحدة ثم فصلتا الى اراضين ونجوم، ومن ابرز النظريات الحديثة والمقبولة لدى علماء الطبيعة والفلك المعاصرين التي تتحدث عن نشأة الكون نظرية الانفجار العظيم the big bang theory التي ترى أن الكون تولد على اثر انفجار شديد حدث للمادة الأولى البسيطة المكونة من غازي الهيدروجين والهيليوم وبفعل الاندماج النووي الهائل تكونت الذرات الثقيلة التي تألفت منها الاجرام والمجرات ولايزال تأثير هذا الانفجار قائما ويتمثل في اتساع الكون المستمر قرابة 70 كيلومترا في الثانية وهو ما يعني ان حيز الكون غير ثابت مما حير علماء الفلك اليوم وجعلهم عاجزين عن رسم حدود الكون رغم احدث التقنيات العلمية التي يتمتع بها تلسكوب هابل الذي يسبح في الفضاء والمخصص في سبر أبعاد الكون، اذ تظل قدرته محدودة امام ضخامة كوننا الفسيح، ويميل العلماء المسلمون المعاصرون الى تقبل نظرية الانفجار العظيم في كونه قريبا من معنى الآية القرآنية المذكورة ويعزز ذلك لديهم ذكر الدخان او الغاز في قوله تعالى من سورة فصلت آية 11: (ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين)، وهي الحالة الغازية التي كانت عليها السماء والارض في بداية نشأة الكون.
كما تؤكد الآية 47 من سورة الذاريات حقيقة تمدد الكون من جراء الانفجار في قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) ويوم القيامة سيطوى الكون الى حالة النشأة الأولى كما في قوله تعالى في الآية 104 من سورة الأنبياء: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) وكلها آيات علمية تزيد من ايمان المسلم بربه وتعزز ثقته بدينه الاسلام.
في كتابه القيم «التوراة والانجيل والقرآن والعلم» - ترجمة المرحوم الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية – يقر العالم الفرنسي موريس بوكاي حقيقة علمانية القرآن الكريم في عدم تناقضه مع النظريات العلمية ومنها نظرية الانفجار العظيم التي انبثق عنها الكون في ص 182 حيث يقول: «على ان معطيات العلم في تكوين العالم اذا لم تؤيد جميع المسائل المطروحة في القرآن في هذا الموضوع فإنه على كل حال لا يوجد اقل تعارض بينها وبين المعطيات القرآنية في ذلك. وان هذه الحقيقة تستحق ان تسجل لصالح الوحي القرآني في الوقت الذي ظهر فيه بوضوح ان نص التوراة الذي هو بين ايدينا اليوم قد جاءنا في هذه الوقائع بتحقيقات غير مقبولة من وجهة النظر العلمية».
ولايزال العلماء يحاولون فك لغز اصل الكون ومعرفة المزيد عن حقائقه وهو ما دفع المنظمة الاوروبية للبحوث النووية بداية الشهر الجاري الى اجراء تجربة محاكاة لنظرية الانفجار العظيم عن طريق احداث تصادم لشعاعين من البروتونات في نفق طوله 27 كيلومترا وعلى عمق 100 متر على جانبي الحدود الفرنسية السويسرية وقد بلغت كلفة المشروع 9 مليارات دولار، ويأملون تحقيق نتائج مفيدة من هذه التجربة لكنها ستستغرق وقتا طويلا في جمع البيانات وتحليلها.