الموت آت لا ريب فيه، والدنيا زائلة لا شك في ذلك، والعمر مهما طال فلابد من دخول القبر، وأهل القبور في قبورهم مرهونون، وعن الأعمال منقطعون، وعلى ما عملوا في حياتهم محاسبون ومجزيون فالسعيد من قدم عملا صالحا بين يديه لينعم بالأجر والثواب والرحمة بعد الممات.
فجعنا بالأمس بخبر وفاة «صانع المجد» صاحب السمو الملكي نايف بن عبدالعزيز آل سعود – طيّب الله ثراه وجعل قبره روضة من رياض الجنة وجزاءه الفردوس الأعلى من الجنة – الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى وهو خارج أسوار المملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى لنا.
فالأمير نايف – رحمه الله – لو جاز لي في هذه المساحة ان أعدد مناقبه واعرض ما في نفسي من خواطر وذاكرتي من مواقف وأفعال وما تحدثت به الركبان وتواترت في نقله الحكايات والروايات فسيكون أمرا صعبا حصره خاصة أن هذا الأمير تتداخل حياته الخاصة إلى حياته العامة لأنهما معا شكلتا شخصية الأمير نايف الذي عُرف بقوة الشخصية وبُعد الرؤية والبصيرة وكلنا نذكر له الموقف البطولي المبدئي من الاحتلال العراقي الغاشم ودوره التاريخي في محاربة الإرهاب والحد منه داخل المملكة العربية السعودية الشقيقة وتطويقه وإشرافه الدائم على راحة وأمن الحجيج والعمّار والزوّار وضيوف الرحمن من خلال ترؤسه لجنة الحج العليا وكرمه وحلمه اللامحدود وحزمه في الوقت نفسه.
لقد رفع الله قدر المتواضعين وأعلى شأنهم وكان هذا خلق «نايف» وهذا ما يزيد الشريف شرفا ويرفع لصاحبه ذكرا وقدرا ومن تخلّق به رفعه الله ومن تمسّك به سعد قال سبحانه: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) «القصص 83».
لقد عرف الأمير نايف هذا الخلق الرفيع ومارسه في حياته فنصر الضعفاء وزار المرضى وشهد الجنائز وأحب قومه، فلا عجب أن نرى له كل هذه المحبة في الداخل والخارج، فالإنسان أولا وأخيرا يحصد ما يزرع فما بالكم بأمير من أنجال (موحّد الجزيرة) يلقى شعبه بقلب ليّن رحيم، يخفف عنهم ويواسيهم، بابه مفتوح للمساكين وذوي الحاجة ويمد يده الى الملهوفين ومعروف أن الذي يرحم عباد الله يرحمه الله في حياته ومماته، فالجزاء من جنس العمل.
نعم.. نحن في الكويت أميرا وحكومة وشعبا في حالة حزن لأننا فقدنا قائدا وسيفا مجرّبا في أوقاتنا العصيبة وندعو له بالرحمة، فمواقفه تجاه الكويت وأيضا البحرين الحبيبة مبدئية ومن سمات شخصيته الأخلاقية ومواقفه الصلبة الشفافة والواضحة والتي لا تقبل اللبس وعُرف بها – رحمه الله.
إنني أتوجه بخالص العزاء إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية بوفاة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي نايف بن عبدالعزيز بعد هذه المسيرة الخيرة والحافلة بالعطاء والتي كرسها لوطنه ولشعبه، والعزاء موصول أقدمه لوزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز والأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي الشقيق، ضارعا للمولى عزّ وجلّ أن يتغمّد الفقيد الراحل بواسع رحمته وغفرانه ويسكنه فسيح جنّاته.
وتبقى الحقيقة، هادم اللذات آت والسعيد من عمل لآخرته في دنياه وهذا ما لمسناه من عبدك «نايف» الشهم الأمجد الذي سار على درب والده المغفور له بإذن الله عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – وأخلص لأسرته وشعبه ودينه وزرع الخير بالتواضع والعدل فاطمأنت له النفوس وأحبته ولحق بإخوانه (سعود وفيصل وخالد وفهد) – رحمهم الله – قرير العين بعد أن أدى دوره كاملا غير منقوص كرجل دولة عُرف ببعد النظر والحنكة والحكمة. فإلى ذمة الله يا أغلى الرجال.. وداعا.