أمير قبيلة العجمان
تعيش الكويت اميرا وحكومة وشعبا اجواء من الفرحة والسعادة الغامرتين بمناسبتي العيد الوطني وذكرى التحرير، وكلتاهما مناسبتان غاليتان على الشعب الكويتي الذي قدم خلالهما بطولات وتضحيات رائعة، في كل مرة تحل فيها هاتان المناسبتان تبدو الحاجة ماسة ودائمة الى مطالعة التاريخ، فكلما قرأت امتنا ماضيها بوعي وادراك للمخاطر والتحديات نجحت في استشراف المستقبل لأنها بهذه القراءة الواعية المبنية على اسس علمية وواقعية تجعل من ماضيها درسا يجنبها الزلل وحافزا للمضي قدما نحو آفاق المستقبل الواعد على اسس متينة ومبدئية.
وعندما تحل مثل هذه المناسبات الوطنية، تتبادر الى الاذهان قيم الشمول والعقلانية والحكمة والشفافية والامانة والوحدة الوطنية وحب الوطن والتضحية وغير ذلك من القيم والمبادئ التي كانت ومازالت تمثل عنوانا رئيسا للمحافظة على هذا النضال المشرف الذي صنعه آباؤنا، وعلى ابناء الكويت ان يدركوا حجم ما بذله الآباء والاجداد من تضحيات عزيزة من اجل بناء الكويت الحديثة على مدى قرنين ونصف القرن، وها هي ديرتنا الحبيبة تتطور، ويحظى شعبها الأبي بمكتسبات دستورية وشعبية جعلت من الكويت دولة مؤسسات وقانون.
في الذاكرة وقفات لا تنسى للكويت المستقلة والكويت المحررة، ففي ذكرى الاستقلال وجلاء المستعمر البريطاني نستذكر حكام الكويت وما تمتعوا به من حصافة وبعد رؤية لا تقل عن نظرائهم في البلاد العربية التي تحررت من الدول الاستعمارية، هذا الذكاء السياسي حال دون دخول الكويت في متاهات التحالفات المتصارعة في تلك الحقبة الزمنية، لهذا فقد عافى الله عز وجل الكويت من العداوات ووفقها الى نيل الاستقلال والحرية.
لكن الكارثة الكبرى ان يطعن المرء بخنجر ذوي القربى، فقد مثلت الاطماع العراقية بكل ما صاحبها من خلط لا مثيل له للاوراق وخطأ غير مسبوق في الحسابات وتناقض مع القيم العربية والاسلامية وقواعد الشرعية نموذجا صارخا للعدوان الغاشم المتهور الذي ارتكب دبر مكائده وارتكب حماقاته في ظلماء ليجسد بهذا النهج المتهور زلزالا وكارثة بكل المعاني ومازلنا نعاني آثارها المدمرة على صعيد العلاقات العربية ـ العربية، وقد تركت تداعيات هذا الحدث الشاذ جرحا غائرا في النفوس، لن يندمل بسهولة، اذ لم يكن يتصور العقل ان يقدم نظام ارعن ومقامر على تهديد جيرانه واحتلال بلادهم في سابقة خطيرة تتناقض مع كل الاعراف والقيم والمبادئ.
نعم لقد نجحت الارادة الكويتية الرسمية والشعبية بامتياز في مواجهة محاولات محو الكويت من الخارطة، فقد سخر الله تعالى للحق جنودا من كل الامم في مشارق الارض ومغاربها للذود عن قضيتنا العادلة، وكان لتحركات الشرعية الكويتية التي قادها الراحلان العزيزان المغفور لهما باذن الله سمو الامير الشيخ جابر الاحمد وسمو ولي عهده الشيخ سعد العبدالله ـ رحمهما الله ـ ومعهما صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد حكيم الديبلوماسية والسياسة العربية ووزير الخارجية حينئذ ـ اطال الله في عمره ـ اضافة الى موقف المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان وامير مملكة البحرين سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وسمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني امير دولة قطر حينذاك، وتعهد قادة الخير على موقف موحد لقطع دابر المعتدي ومعنا كل شرفاء العالم من قوات التحالف الدولي التي تضافرت جهودها في معركة عادلة عرفت بـ «عاصفة الصحراء» واسفرت عن اعادة الحق الكويتي الى اهله واندحار الظلم والظالمين.
وفي هذا المقام، لابد ان اذكر الموقف المبدئي والثابت لفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، فقد كان لاجازته الاستعانة بالقوات الاجنبية في رد الحق الى اهله اكبر الاثر في دعم الحق الكويتي مخالفا بموقفه التاريخي بعض العلماء الذين عارضوا هذا التوجه وشنعوا بفتواه، وقد اثبتت الايام صدقية فتواه ونجاعتها وبعد نظره.
لن انسى ما حييت ما قام به اولادنا وبناتنا في الداخل من عصيان مدني ومقاومة باسلة، وكيف قام ابناؤنا في الخارج بتنظيم المظاهرات المنددة بانتهاك حقوق الجوار وقيادة الرأي العام العالمي صوب مناصرة الحق الكويتي وادانة ممارسات الجيش العراقي وأزلامه من المخابرات التي قامت بأعمال النهب والسلب والفساد والافساد دون رادع من ضمير او دين او حقوق جوار سبعة اشهر عجاف.
اننا في هذه المناسبات لابد ان نشكر الله عز وجل على عظيم آلائه وعطاياه التي من بها علينا، وان نواصل مسيرة الآباء والاجداد في العمل على نهضة الكويت ورفعتها ووحدتها بعيدا عن الصراعات والنزاعات السياسية الضيقة، ولنتدبر هذا المقطع من الآية الكريمة (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ـ سورة سبأ: 15).بقلم: أمير قبيلة العجمان سلطان بن سلمان بن حثلين