من حق الهنود أن يشعروا بالفخر والاعتزاز بزعيمهم غاندي الذي قاد بلادهم نحو الاستقلال من بريطانيا، ومن حقهم أن يجعلوه رمزا وطنيا في ذاكرة أبنائهم وبناتهم، فقد كان مثال المناضل الصادق، فما كان يوما يتطلع إلى الوصول إلى السلطة، كما لم يعرف عنه أنه قام بتصفية معارضيه أو اضطهادهم، وعرف عنه التواضع والحياة البسيطة والتفاني في خدمة بلده واحترام جميع أبناء وطنه باختلاف أديانهم، حتى كان ذلك سببا في اغتياله على يد هندوسي متطرف ينتمي إلى طائفته.
ويعتز شعب جنوب أفريقيا بزعيمهم الوطني المناضل نيلسون مانديلا الذي قاد بلادهم نحو التحرر من نظام الأقلية البيضاء العنصري عدو الإنسانية، وكان مثالا للرئيس الأمين الذي لم يستخدم السلطة لمصالحه الشخصية أو مصالح حزبه ولم يتحول إلى دكتاتور قمعي يلاحق أبناء وطنه وهمه التفرد بالسلطة، كما فعلت ولا تزال تفعل الدكتاتوريات الثورجية القمعية في دول العالم الثالث أو الدول العربية.
وهناك العديد غير هؤلاء الزعماء الوطنيين الذين تفخر بهم وتحبهم شعوبهم وتتخذهم رموزا تعتز بها وقد تحولت إلى شخصيات عالمية شهيرة يعتز بها التراث الإنساني.
وبقدر احترام الشعوب لزعاماتها المناضلة التي فتحت لها طريق الحرية والعيش الكريم، وأخذت بيدها إلى طريق الأمان، نجدها تكره زعاماتها الشمولية القمعية التي تسببت في معاناة كبيرة لها.
فقد ثأرت الدول الخاضعة للأنظمة الشيوعية بعد انهيار الشيوعية بإزالة تماثيل لينين وستالين معبرة عن سخطها للحقبة الشيوعية التي أذاقتها الويلات وهي تتذكر معسكرات الاعتقال الوحشية التي أزهقت فيها أرواح الملايين من الروس المعارضين وأبناء القوميات الأخرى وعلى رأسها المسلمة، ولعل ثورات الربيع العربي عبرت بشكل واضح عن هذه الطبيعة البشرية التي تكره الأنظمة الشمولية القمعية وتحاول جاهدة التخلص من آثارها المدمرة.
نفهم ان يعتز الهنود بغاندي، أو الجنوب أفريقيين بمانديلا أو الأميركان بأبراهام لنكولن، فيقيمون لهم تماثيل كرموز وطنية تفخر بها أجيالهم على مر الزمن، لكن الذي لا نفهمه أن يعاد نصب تمثال بورقيبة بعد ثورة الياسمين التي كانت تعبيرا رافضا للحقبة البورقيبية وحقبة بن علي التي كانت امتدادا لها.
فقد تحول بورقيبة بعد الاستقلال إلى دكتاتور قمعي متسلط، عمل على فرض الثقافة الفرنسية، كما حارب الهوية الإسلامية واللغة العربية، وغير الكثير من قوانين الأحوال الشخصية، وقام بتصفية الكثير من معارضيه حتى الوطنيين المناضلين الذين شاركوا في استقلال تونس من الاستعمار الفرنسي.
فمتى تتلاشى هذه التناقضات العجيبة التي صارت مكونا أساسيا من مكونات ثقافتنا العربية الحديثة وأصبحت معول هدم للتفكير السليم والبديهة الإنسانية؟
****
ضرب اليابان بقنابل نووية في الحرب العالمية الثانية كان جريمة نكراء ارتكبتها الولايات المتحدة ضد الشعب الياباني وضد الإنسانية في وقت كانت اليابان تتجه سريعا نحو الهزيمة بعد هزيمة ألمانيا.
وبالرغم من أن اليابانيين عانوا مأساة أضرار الإشعاعات النووية من تشوهات وأمراض قاتلة عقودا بعد الحرب، فإن الولايات المتحدة تصر على عدم الاعتذار عن جريمتها.
وقد رفض أوباما خلال زيارته لليابان في الأسبوع الماضي لقاء (الهيباكشا) أو الناجين من القنابل الذرية تأكيدا على رفضه الاعتذار رغم أن لقاءه معهم قضية إنسانية بحتة.