تتعرض الدول إلى تهديدات خارجية أو داخلية تتخذ الخارجية منها شكل تهديدات عسكرية أومحاولات افتعال حرب تجعل من الدولة المستهدفة في حالة من الحذر واليقظة من هذا العدو الذي يريد إيذاءها فتعمد إلى اتخاذ كل الاستعدادات العسكرية من أجل الدفاع عن نفسها وعن وجودها أمام هذا العدو الظاهر.
أما التهديدات الداخلية فقد تأخذ شكل فساد مستتر ينتشر بهدوء وخفية وتحت جنح الظلام لا يشعر به إلا القلة من الناس المتابعين، ويظل ينخر في جسد الدولة حتى يأتي على كيانها إن لم تكافحه منذ بداية تفاقمه كالسوسة تتلف السن أو النمل الأبيض ينخر لب الخشب.
ومن السهولة أن تسقط الدولة فريسة للفساد عندما يتحول إلى ثقافة عامة عند أفراد المجتمع ويصبح أمرا مقبولا لديهم وكأنه قيمة إيجابية من قيم المجتمع يفخر الناس بممارستها دون خجل أو وجل أو شعور بتداعياته الخطيرة على كيان الدولة.
والأخطر أن يمارسه مسؤولوا الدولة الذين يفترض أن يكونوا قدوة لباقي أفراد المجتمع وأمناء على مصالح البلد من خلال استغلال مناصبهم فيقربون الشخص غير المناسب ويبعدون المناسب، أو يستولون على المال العام أو ممتلكات الدولة العينية بغير وجه حق مع عدم مبالاتهم بما يحدث من فوضى إدارية وتجاوز للوائح والقوانين المنظمة للعمل داخل مؤسساتهم.
والأدهى في صور الفساد أن يتحول نائب الأمة الذي يفترض أن يكون أمينا على الأمة - بين ليلة وضحاها - إلى مليونير يقود سيارات فارهة ويمتلك فيلا فخمة بعد أن كان يعيش على الكفاف أو أن يستغل عضويته في تنمية ثروته ويصبح آخر ما يفكر فيه هو تشريع القوانين المفيدة للأمة ومراقبة أداء السلطة التنفيذية وبمعنى آخر يتحول إلى خيال مآته في المجلس.
دول كثيرة معروفة لم تعتد بمكافحة الفساد تحول فيها إلى وباء مزمن لا تستطيع الفكاك منه بعد أن تمكن من تثبيت جذوره فيها رغم كل ما تتمتع به من مقومات اقتصادية متينة، وصارت أقرب إلى دول فاشلة فقيرة تعيش حالة من البؤس والفوضى على جميع المستويات.
لا أعتقد أن هناك كويتيا مخلصا لبلده يتمنى أن تكون الكويت واحدة من تلك الدول التي تعاني من وباء الفساد، أو يرضى بصور الفساد المتمثلة في هدر أموال الدولة على علاج الواسطة الذي هو أقرب إلى السياحة منه إلى العلاج، وعلى عقود خيالية تتجاوز التكاليف الحقيقية وعلى صرف أموال الدولة في غير محلها وعلى غير مستحقيها أو بروز طبقة الوصوليين من عديمي الكفاءة والمؤهلات الذين أصبحوا عالة على المجتمع والدولة.
ولا بد من وقفة جادة على المستويين الرسمي والشعبي لقطع دابر الفساد قبل أن يستشري في جسد الدولة فيهد كيانها.
وأول طريق العلاج هو في مجلس أمة يتمتع بقدر كبير من الوعي بخطورة الفساد على مستقبل الدولة يجعل موضوع محاربة الفساد ضمن أولوياته.
وهذا لا يتأتى إلا باختيار المواطن لنائب الأمة الذي يتوخى فيه روح المسؤولية والأمانة والإخلاص ممن لا تدور حولهم شبهات الفساد أو التعدي على المال العام أو ممن لا يتطلع إلى عضوية المجلس أو المنصب الوزاري من أجل الوجاهة والتكسب، ولنجعل من مجلس 2016 انطلاقة في طريق قطع دابر الفساد.